تعتبر مدينة فاس القلب النابض للصناعة التقليدية في المغرب، حيث تشكّل هذه الحرف العريقة جزءًا لا يتجزأ من هوية المدينة التاريخية وتراثها الثقافي. فأسواقها العتيقة تعجّ بالحرفيين الذين يحافظون على مهارات متوارثة عبر الأجيال، من صناعة الخزف والزليج التقليدي إلى النحاسيات والجلود التي أصبحت رمزًا لصناعة مغربية أصيلة. ورغم الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تلعبه الصناعة التقليدية في المدينة، فإنها تواجه تحديات متزايدة تهدد استمرارها، مما يفرض ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لضمان بقائها وازدهارها.
كما تساهم الصناعة التقليدية بنسبة 7% من الناتج الداخلي الخام، ما يجعلها قطاعًا حيويًا يشغّل آلاف الأسر في المغرب. وتبرز فاس في هذا المشهد باعتبارها إحدى أبرز المدن الحاضنة لهذه الحرف، حيث تحقق رقم معاملات يناهز 10.6 مليار درهم، أي ما يعادل 23% من إجمالي المقاولات النشطة في المجال على المستوى الوطني. ورغم هذه الأرقام المهمة، فإن العديد من الحرفيين في المدينة يعانون من أوضاع اجتماعية صعبة، خصوصًا أولئك الذين تقدم بهم العمر ولم يعودوا قادرين على مزاولة أعمالهم، دون توفر آليات تضمن لهم التغطية الاجتماعية أو معاشات تحفظ كرامتهم بعد سنوات طويلة من العطاء.
إلى جانب التحديات الاجتماعية، يواجه القطاع خطر اندثار بعض الحرف التقليدية بسبب عزوف الشباب عن تعلمها، ما دفع إلى إطلاق أكبر عملية تكوين بالتدرج في تاريخ الصناعة التقليدية، تستهدف 30 ألف متدرج لضمان نقل المهارات والخبرات من الحرفيين القدامى إلى الأجيال الجديدة. هذه المبادرة تهدف إلى إعادة إحياء المهن المهددة بالزوال وتعزيز جاذبية القطاع لدى الشباب، من خلال توفير تكوينات حديثة تجمع بين الأصالة والتطور التكنولوجي لضمان قدرة الصناعة التقليدية على التأقلم مع متطلبات السوق.
ورغم الجهود المبذولة، لا تزال الصناعة التقليدية في فاس تحتاج إلى استراتيجية أكثر شمولًا تشمل دعم الحرفيين ماليًا، وتمكينهم من الولوج إلى الأسواق العالمية، وتعزيز الترويج الرقمي للمنتجات التقليدية، إلى جانب تحسين ظروف العمل داخل الورشات. فبدون خطوات فعلية نحو تطوير هذا القطاع، قد تجد فاس نفسها أمام خطر فقدان جزء من هويتها العريقة التي صنعت مجدها لقرون. الحفاظ على الصناعة التقليدية في المدينة ليس مجرد واجب اقتصادي، بل هو مسؤولية ثقافية ووطنية لضمان استمرار هذا الإرث الفريد للأجيال القادمة.
المصدر : فاس نيوز