فاس نيوز…. مراكش تشهد فصلاً جديداً من فصول “كازينو السعدي”.. اعتقالات تطال مسؤولين كبار وتُعيد فتح جرائم العشرية السوداء

في تحول دراماتيكي لقضية اعتُبرت أحد أبرز ملفات الفساد المالي في تاريخ المغرب الحديث، أعلنت مصالح الأمن، مساء الجمعة، اعتقال رئيس مقاطعة سيدي يوسف بن علي بمراكش، محمد نكيل، المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وذلك ضمن عملية أمنية موسعة شملت أيضاً مستشارين جماعيين سابقين ومقاولين، في إطار تنفيذ أحكام قضائية نهائية صادرة عن محكمة النقض في ديسمبر 2024، بعدما رفضت طعون المتهمين في قضية “كازينو السعدي” التي هزت الرأي العام منذ ظهورها قبل 24 عاماً.

الاعتقالات، التي امتدت من إقليم الجديدة إلى مراكش، لم تكن مفاجئة للكثيرين، لكن توقيتها أثار تساؤلات حول رسائل القضاء المغربي في ظل تصاعد المطالبات الشعبية بمحاسبة الفاسدين. فبينما كان محمد نكيل يُسلم إلى مصالح الأمن بمراكش، بعد اعتقاله في منطقة سيدي بوزيد، كان المستشار الجماعي السابق، لحسن أمرودو، يُعتقل في منزله بمراكش، فيما لا تزال الأجهزة الأمنية تطارد عبد الرحمان العرابي، أحد الأسماء البارزة في الاتحاد المغربي للشغل، في إشارة إلى امتداد شبكة الفساد عبر دوائر سياسية واجتماعية متنوعة.

القضية، التي تعود جذورها إلى عام 2001 مع عملية تفويت “كازينو السعدي” التاريخي بمراكش، تحولت إلى كابوسٍ قانونيٍ طويل، بعدما كشفت تحقيقات النيابة العامة عن تورط مسؤولين محليين ومقاولين في تزوير وثائق ملكية الكازينو، وتبديد أموال عمومية تقدر بملايين الدولارات. وفي عام 2020، حُكم على عبد اللطيف أبدوح، الرئيس السابق لبلدية جليز المنارة والقيادي في حزب الاستقلال، بـ5 سنوات سجناً نافذاً وغرامة 50 ألف درهم، بينما تلقى 7 مستشارين جماعيين أحكاماً مماثلة بعقوبات وصلت إلى 3 سنوات سجناً لكل منهم.

ما يلفت في التطورات الأخيرة هو تنفيذ الأحكام بحق شخصيات من الحزبين الحاكمين (الاستقلال والأصالة والمعاصرة)، في خطوةٍ تُفسرها مصادر قضائية لـ”فاس نيوز” كـ”رسالةٍ لدوائر النفوذ بأن زمن الإفلات من العقاب ولى”. فمحمد نكيل، الذي كان يُشرف على واحدة من أكبر المقاطعات الحضرية بمراكش، بات اليوم رهن الزنزانة رقم 34 بسجن الأوداية، فيما يُنقل عمر آيت عيان، المستشار الجماعي السابق، إلى ذات السجن الذي شهد سابقاً اعتقال رفيقه في الحزب، عبد اللطيف أبدوح، قبل أن يُطلق سراحه مؤقتاً عام 2022.

من جهة أخرى، تُثير القضية تساؤلاتٍ حول مصير أراضي “كازينو السعدي” التي صادرتها الدولة، والتي تقدر قيمتها الحالية بأكثر من 15 مليار درهم، وسط معلومات عن نية الحكومة طرحها للاستثمار مجدداً. إلا أن خبراء يحذرون من تكرار سيناريو الفساد، خاصةً مع تحفظ السلطات على نشر وثائق التحقيقات الكاملة، والتي يُشاع أن بعضها يتضمن تسجيلات صوتية تورط مسؤولين حكوميين سابقين في عرقلة التحقيقات.

في تعليقٍ للبرلمانية سلمى العلوي، الخبيرة في الشؤون القانونية، قالت لـ”فاس نيوز”: “هذه القضية ليست مجرد ملف فساد عابر، بل هي نموذجٌ لآلية نهب المال العام خلال ما يُعرف بالعشرية السوداء، حيث كانت الصفقات المشبوهة تُبرم تحت غطاء حزبي وقانوني”.

فيما ينتظر سكان مراكش إجاباتٍ عن مصير أراضيهم التي تبخرت في صفقات الكازينو، يبدو أن الاعتقالات الأخيرة، رغم أهميتها، لن تُطوي الصفحة إلا بملاحقة كل الأطراف، خاصةً أولئك الذين لا يزالون يحتمون بمناصبهم أو بجنسياتٍ أجنبية، وفقاً لشهادات بعض ضحايا الصفقة. السؤال الذي ينتظر إجابة الآن: هل يكون هذا الفصل نهاية الملحمة، أم مجرد استراحةٍ مؤقتة قبل انفجار قنبلة فسادٍ أكبر؟

فاس نيوز – مراسل خاص من مراكش

المصدر: فاس نيوز