بالفيديو/ كلية العلوم القانونية بفاس تحتضن ندوة علمية رفيعة المستوى تحت عنوان “مدونة الأسرة المغربية بين التقييم والتقويم”

عاينت “جريدة فاس نيوز”، يوم الأربعاء 19 مارس 2025، أشغال الندوة الوطنية التي احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والتي جاءت تحت عنوان “مدونة الأسرة المغربية بين التقييم والتقويم”، بمشاركة أساتذة جامعيين مرموقين، وباحثين متخصصين، وممثلين عن المجتمع المدني.

ترأس الجلسة الاولى كل من السيد عميد الكلية الدكتور بوزلافة الذي اعتبر أن هذه الندوة تأتي في إطار مواكبة الجامعة للنقاش الوطني حول مراجعة مدونة الأسرة، خاصة بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على صدورها. وأضاف أن هذا اللقاء العلمي، الذي نظمه مختبر إقلاع قانون، الفلسفة والمجتمع بشراكة مع ممثلين عن المجتمع المدني ونادي الباحثين في القانون الخاص، يهدف إلى تعميق النقاش حول التعديلات المقترحة، بما يراعي جميع مكونات الأسرة المغربية، وذلك استجابة للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى مراجعة المدونة في إطار يحفظ التوازن بين الثوابت الشرعية والتطورات الاجتماعية.

كما شدد السيد العميد على أن الخطاب الملكي السامي وضع إطارًا واضحًا لهذه المراجعة، حيث أكد جلالته أن مدونة الأسرة تظل حجر الزاوية في المنظومة القانونية، لكن دون المساس بالثوابت الشرعية، مشيرًا إلى أن الجامعة تتحمل مسؤولية كبرى في تقديم تصورات عملية وواقعية تساهم في تطوير النصوص القانونية بشكل يضمن حقوق جميع أفراد الأسرة.

وخلال أشغال الندوة، أكد الدكتور حسن رحيية، مدير المختبر، على أهمية الجهود التي يبذلها أعضاء الفريق البحثي، مشيدًا بحرصهم على مناقشة قضايا ذات راهنية علمية ومجتمعية. كما أشار إلى أن هذه الندوة تشكل محطة أولى ضمن برنامج عمل طموح يسعى المختبر إلى تفعيله خلال المرحلة المقبلة، منوهًا بحسن اختيار الموضوع ودقة تنظيم الحدث.

بدوره، عبر الدكتور يونس الحكيم عن فخره بالانتماء إلى هذا الإطار البحثي، مؤكداً التزامه إلى جانب زملائه بتنزيل برنامج مكثف يسهم في تحقيق أهداف المختبر العلمية. كما شدد على أهمية العمل المشترك من أجل تعزيز البحث الأكاديمي في قضايا تتعلق بالقوانين والتشريعات الوطنية وانسجامها مع الاتفاقيات الدولية.

وفي الجلسة العلمية، التي ترأسها الدكتور حسن رحيية، تناول الدكتور كريم متقي المسار التاريخي لمدونة الأسرة، متوقفًا عند أبرز المحطات التي ميزت تطورها. من جانبه، ناقش الدكتور يونس الحكيم مدى توافق المدونة مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة والطفل، مبرزًا القضايا الملحة التي تتطلب مراجعة وتطويرًا لضمان تعزيز هذه الحقوق في سياق التحولات القانونية والاجتماعية الراهنة.

من جهتها أوضحت الدكتورة حكيمة الحطري، أستاذة باحثة ومنسقة ماستر الوساطة الأسرية والاجتماعية بكلية الشريعة بفاس، أن ارتفاع القضايا الأسرية المعروضة على المحاكم المغربية يفرض البحث عن حلول بديلة أكثر نجاعة، مشيرة إلى أن الوساطة الأسرية أثبتت فعاليتها في العديد من الدول، سواء العربية أو الغربية، في تقليص نسب الطلاق وتعزيز الاستقرار الأسري. كما شددت على أهمية إدماج الوساطة في مدونة الأسرة، في انتظار تأطيرها قانونيًا لضمان ممارستها وفق معايير واضحة ومحددة.

و في سياق اخر تحدثت الدكتورة حكيمة الحطري، منسقة ماستر الوساطة الاسرية و الاجتماعية بكلية الشريعة و عضوة بالمختبر، على تجربة ماستر الوساطة الأسرية والاجتماعية بكلية الشريعة بفاس، والذي يهدف إلى تكوين متخصصين قادرين على التعامل مع النزاعات الأسرية من زوايا متعددة، تشمل الجوانب الشرعية، القانونية، النفسية والاجتماعية، مشيرة إلى أن تكوين وسطاء محترفين يعد خطوة ضرورية لإنجاح هذه الآلية بالمغرب.

كما أكدت المتحدثة أن عدداً من القضايا التي عُرضت على القضاء كان بالإمكان حلها عبر الوساطة، لولا غياب إطار قانوني واضح ينظم هذه الممارسة، داعية إلى الإسراع في تقنينها لضمان فعاليتها ونجاعتها.

وفي سياق مناقشة الجوانب القانونية والحقوقية المرتبطة بمدونة الأسرة، تناول الأستاذ علي إدريس حسني، عضو نادي قضاة المغرب، موضوع الأموال المكتسبة بين الزوجين من منظور القضاء التجاري، مسلطًا الضوء على الإشكالات القانونية التي تطرحها هذه المسألة وأثرها على النزاعات الأسرية.

كما شهدت الندوة مداخلات متنوعة ومثرية، حيث قدم كل من الدكتور عبد الواحد الدافي، والدكتورة نورة خير، والطالبة الباحثة ظنار راشد مقاربات متعددة حول القضايا المطروحة، مما ساهم في تعميق النقاش وتسليط الضوء على أبعاد جديدة تتعلق بملاءمة التشريعات الوطنية مع التحولات الاجتماعية والاتفاقيات الدولية.

و من الحضور صرح الدكتور محمد غزيول، أستاذ باحث بكلية الشريعة بفاس ، أن موضوع الأموال المكتسبة بين الزوجين لا يزال يثير جدلًا واسعًا منذ اعتماد المدونة سنة 2004، خاصة في ظل التباين في تطبيق المقتضيات القانونية المنظمة لهذا الجانب. كما ناقشت الندوة موضوع زواج القاصرات، وهو أحد المحاور المثيرة للنقاش في سياق الإصلاح المرتقب، بالإضافة إلى آليات الوساطة الأسرية باعتبارها أداة فعالة لتسوية النزاعات وتقريب وجهات النظر بين الأزواج، بما يعزز استقرار الأسرة المغربية.

من جهته، أوضح الأستاذ عبد الواحد الدافي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية بالجديدة، أن هذه الندوة العلمية جاءت في سياق الإصلاحات التشريعية التي تشهدها المملكة، خاصة فيما يتعلق بمدونة الأسرة والقوانين ذات الصلة، معربًا عن أمله في أن تساهم هذه التعديلات في تعزيز الحماية القانونية للأسرة المغربية، وفق رؤية ملكية سامية تهدف إلى تحقيق التوازن بين متطلبات العصر واحترام القيم الدينية والثقافية للمجتمع.

كما عرفت الندوة مناقشات مستفيضة من طرف الحضور المتنوع بين الاساتذة الباحثين و جمعيات المجتمع المدني و الطلبة الباحثين.

و قد خلصت الندوة إلى ضرورة مواصلة النقاش العلمي حول سبل تطوير مدونة الأسرة، مع التأكيد على أهمية مراعاة التحولات الاجتماعية التي شهدها المغرب منذ صدور المدونة، وإيجاد حلول قانونية تحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة، بما ينسجم مع الهوية المغربية والتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس.

المصدر: فاس نيوز