تعتبر التغيرات المناخية من التحديات الكبرى التي تواجه اقتصادات العديد من الدول، والمغرب ليس استثناءً، يشهد الاقتصاد المغربي تأثيرات سلبية جراء التغيرات المناخية التي تشمل الجفاف المتزايد، تدهور الأراضي الزراعية، وارتفاع درجات الحرارة، مما يشكل تهديدًا لعدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الزراعة والمياه والطاقة، ومع ذلك، يسعى المغرب إلى مواجهة هذه التحديات من خلال تبني استراتيجيات للتكيف مع هذه التغيرات وضمان استدامة النمو الاقتصادي.
أثر التغيرات المناخية على القطاعات الاقتصادية
الزراعة: يعد القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات المناخية في المغرب. فقد أظهرت الدراسات أن التقلبات المناخية، مثل الجفاف الطويل وارتفاع درجات الحرارة، تؤثر بشكل مباشر على إنتاج المحاصيل الزراعية، خصوصًا في المناطق القروية التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار. وفقًا لتقرير البنك الدولي في 2023، فإن قطاع الزراعة يمثل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب ويوظف أكثر من 40% من القوة العاملة، مما يجعل تأثير التغيرات المناخية على هذا القطاع بالغ الأهمية.
الموارد المائية: يعد الماء من أبرز الموارد التي يتأثر بها الاقتصاد المغربي بشكل كبير نتيجة التغيرات المناخية. يعاني المغرب من نقص مزمن في الموارد المائية، وقد أدت التغيرات المناخية إلى زيادة هذا النقص بسبب تقليل كمية الأمطار وزيادة تبخر المياه. هذه القضايا تؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة وتوليد الطاقة. بحسب تقرير “المعهد الوطني للبحث في المياه والمناخ” (INRH)، فإن الاحتياجات المائية في المغرب ستستمر في النمو، مما يضع ضغوطًا أكبر على إدارة الموارد المائية.
الطاقة: يعتمد المغرب بشكل كبير على الطاقة المتجددة، وخصوصًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومع ارتفاع درجات الحرارة، يزيد الطلب على الطاقة الكهربائية في الصيف، مما يضغط على شبكة الطاقة الوطنية. من جهة أخرى، توفر الطاقة المتجددة فرصًا للمغرب لتقليل انبعاثات الكربون وتعزيز استدامة اقتصاده في مواجهة التغيرات المناخية.
استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية
الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية: أطلق المغرب استراتيجيات متعددة للتكيف مع آثار التغيرات المناخية، حيث تم وضع “الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية” بهدف تعزيز القدرة على التكيف مع التحديات المستقبلية. تشمل هذه الاستراتيجيات تحسين استخدام المياه، تعزيز التقنيات الزراعية المستدامة، وزيادة استثمارات الطاقة المتجددة.
تحسين إدارة الموارد المائية: يولي المغرب أهمية كبيرة لإدارة المياه بشكل فعال، حيث تم تطوير مشروعات لزيادة كفاءة استخدام المياه وتخزينها، مثل بناء السدود وتحسين شبكات الري. كما تشهد المملكة تطورًا في مشاريع تحلية مياه البحر لتلبية احتياجات المدن الساحلية والصناعية.
الزراعة المستدامة: على صعيد الزراعة، بدأ المغرب في اعتماد تقنيات الزراعة المستدامة التي تهدف إلى تقليل تأثيرات الجفاف وتحسين الإنتاجية الزراعية في ظل الظروف المناخية المتغيرة. هذا يشمل استخدام المحاصيل المقاومة للجفاف، وتوسيع الرقعة الزراعية باستخدام الري بالتنقيط وتقنيات الزراعة الذكية.
الطاقة المتجددة: المغرب يعد من الدول الرائدة في استخدام الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مشروع “نور” للطاقة الشمسية في ورزازات يعد من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، ويعكس التزام المغرب بتقليل انبعاثات غازات الدفيئة وتنويع مصادر الطاقة. تهدف الحكومة المغربية إلى تحقيق 52% من إجمالي احتياجات الطاقة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030.
التكيف مع التغيرات المناخية في المدن: في إطار خطة المدن الذكية، تهدف الحكومة المغربية إلى تعزيز قدرة المدن على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة من خلال إنشاء مشاريع بنية تحتية مرنة، مثل زيادة المساحات الخضراء، وتحسين نظام النقل العام، وتطوير أنظمة التبريد في المدن.
التعاون الدولي والتمويل المناخي
يواصل المغرب العمل مع المجتمع الدولي للحصول على تمويلات لمواجهة تحديات التغيرات المناخية. في مؤتمر الأطراف (COP22) الذي عقد في مراكش عام 2016، التزم المغرب بتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية من خلال استراتيجيات ملموسة تدعمها مبادرات تمويلية من الدول المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية.
إن التغيرات المناخية تشكل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد المغربي، لكن المملكة تبذل جهودًا كبيرة من خلال استراتيجيات التكيف التي تهدف إلى تقليل الآثار السلبية لهذه التغيرات وضمان استدامة النمو الاقتصادي. من خلال تعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتطوير الطاقات المتجددة، وتحسين طرق الزراعة والإدارة المائية، يسعى المغرب إلى بناء اقتصاد أكثر مرونة وقوة في مواجهة التحديات المناخية المستقبلية.
المصدر : فاس نيوز ميديا