باريس تحت المجهر: تقرير/ أنشطة استخباراتية جزائرية تثير قلق الأجهزة الفرنسية

باريس – 23 أبريل 2025 – تشهد العاصمة الفرنسية باريس تصاعدًا ملحوظًا في أنشطة الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار قلقًا متزايدًا لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية وأعاد إلى الواجهة ملفًا حساسًا لطالما اتسم بالحذر والتكتم. وتتجاوز أنشطة العناصر الاستخباراتية الجزائرية في فرنسا مجرد جمع المعلومات، لتشمل محاولات التأثير على الجالية الجزائرية المقيمة، والتجسس على المعارضين السياسيين، بل وحتى عمليات تهديد وترهيب تُدار بطرق غير رسمية على الأراضي الفرنسية.

وتؤكد مصادر أمنية فرنسية رفيعة المستوى أن السفارة الجزائرية في باريس وعددًا من القنصليات الجزائرية في فرنسا تعمل كمراكز عمليات غير معلنة لجهاز الاستخبارات الجزائري (DGSI). وتشير المصادر إلى أن دبلوماسيين يتمتعون بخلفيات استخباراتية يتم توظيفهم خصيصًا للإشراف على أنشطة مراقبة أفراد الجالية الجزائرية، وخاصة المعارضين السياسيين والنشطاء الأمازيغ.

وتم رصد تعرض عدد من أفراد الجالية الجزائرية، وخاصة أولئك الذين تربطهم صلات بحركات معارضة مثل “الحراك” أو مناصري الحركات الديمقراطية، لمراقبة دقيقة وتحقيقات غير رسمية تستهدف تحركاتهم ولقاءاتهم ومشاركتهم في الفعاليات العامة.

وتمكنت أجهزة الاستخبارات الجزائرية من زرع عناصر تابعة لها داخل عدد من الجمعيات الجزائرية الناشطة في المهجر، وخاصة في ضواحي باريس الكبرى. ويتم اختيار أفراد يتمتعون بولاء للنظام الجزائري وتكليفهم بجمع معلومات مفصلة حول اجتماعات هذه الجمعيات، ومصادر تمويلها، والشخصيات البارزة والنشطة فيها. وقد ساعدت هذه الاستراتيجية النظام الجزائري على بناء قاعدة بيانات واسعة تستخدم في تصنيف المعارضين وفقًا لمستوى “الخطورة” أو “التهديد” الذي يمثلونه.

وتشير تقارير استخباراتية فرنسية إلى لجوء عملاء جزائريين ناشطين في فرنسا إلى استخدام تكتيكات ترهيبية غير مباشرة ضد المعارضين للنظام الجزائري. وتشمل هذه التكتيكات التهديدات المبطنة، والمضايقات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بل وحتى محاولات ابتزاز تستهدف أفرادًا من الجالية الجزائرية من خلال استغلال ملفاتهم الإدارية في الجزائر، مثل جوازات السفر أو الأملاك العقارية.

كما تم رصد حالات محاولة استقطاب لبعض المعارضين من خلال تقديم إغراءات مالية أو توجيه تهديدات مبطنة بإلحاق ضرر بأفراد من عائلاتهم المقيمين في الجزائر.

وعلى الرغم من تكرار التنبيهات الداخلية من قبل الأجهزة الأمنية الفرنسية، لا تزال السلطات الفرنسية تتعامل مع هذا الملف بحذر شديد. ويعزو مراقبون هذا الصمت الرسمي إلى رغبة باريس في الحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق مع الجزائر، خاصة في ظل حاجة فرنسا إلى تعاون أمني وهجرة مع الجزائر.

إلا أن هذا “التواطؤ الصامت”، كما يراه بعض المراقبين، يشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدولة الفرنسية وقيمها الديمقراطية، حيث يُسمح لجهاز استخباراتي أجنبي بممارسة أنشطة غير قانونية على الأراضي الفرنسية ضد أفراد يتمتعون بالحماية القانونية الكاملة.

في المقابل، عبّر عدد متزايد من نشطاء الجالية الجزائرية في فرنسا عن قلقهم العميق إزاء تصاعد هذه الأنشطة الاستخباراتية، مطالبين الحكومة الفرنسية بضمان حمايتهم من تدخلات أجهزة أجنبية.

وصرح أحد النشطاء قائلاً: “نحن هنا كلاجئين سياسيين أو مهاجرين، ولا يمكننا أن نعيش تحت وطأة الخوف من أن تُنقل كل كلمة نقولها إلى النظام الذي فررنا منه”.

إن ما يجري في باريس من نشاط مكثف للمخابرات الجزائرية ليس حالة منعزلة، بل يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تتبعها العديد من الأنظمة السلطوية لتصدير أدوات الرقابة وملاحقة المعارضين حتى خارج حدودها. ويبقى السؤال المطروح بإلحاح: إلى متى ستغض فرنسا الطرف عن هذا الاختراق المتزايد لسيادتها؟ وهل تملك الجالية الجزائرية في فرنسا الوسائل الكافية لحماية نفسها من براثن الاستخبارات الجزائرية؟

عن موقع: فاس نيوز