الرباط، المغرب – يترقب قطاع الشغل في المغرب نتائج جولة الحوار الاجتماعي المركزي لشهر أبريل، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة وممثلو أرباب العمل والمركزيات النقابية سيعملون أخيراً على إنصاف مفتشية الشغل، التي تعد الآلية الإدارية الأساسية في تنظيم علاقات العمل.
وتأتي هذه التساؤلات في ظل تاريخ طويل من التهميش الذي تعاني منه هذه الهيئة، رغم أهميتها البالغة. فكما جاء في شهادة للملك الراحل الحسن الثاني: “مفتشو الشغل أهم بالنسبة إلي من رجال الأمن”، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تولِ اهتماماً كافياً لتحسين أوضاعهم.
جذور تاريخية وأهمية محورية
تأسست مفتشية الشغل في المغرب عام 1926، وهي ليست فقط أقدم هيئة إدارية في البلاد، بل هي أيضاً نتاج اتفاق ثلاثي بين الحكومة وممثلي العمال وأرباب العمل، وهو نموذج فريد في عمل منظمة العمل الدولية. وتستند مهام مفتشية الشغل إلى الاتفاقيتين الدوليتين رقم 81 و 129، اللتين صادق عليهما المغرب، لكنهما لم يعتمدهما كمرجع أساسي في تنظيم عمل هذه الهيئة.
ورغم اعتماد مدونة شغل جديدة عام 2004، وتحديث الدستور عام 2011، إلا أن دور مفتشية الشغل لم يتطور بالقدر الكافي لمواكبة هذه التغييرات، وظلت تعاني من هياكل تنظيمية قديمة.
مطالب متجددة ونظام أساسي “صفري”
منذ عام 1996، ومع اعتماد الحوار الاجتماعي، برز دور مفتشية الشغل في مراقبة تنفيذ الالتزامات المتعلقة بقضايا القطاع الخاص. وقد تجلى ذلك في اتفاق 30 أبريل 2003، الذي تضمن التزامات تجاه هذه الهيئة، وعلى رأسها الحق في نظام أساسي خاص.
إلا أن هذا النظام لم ير النور إلا عام 2008، وجاء مخيباً لآمال مفتشي الشغل، حيث خلا من أي شق مادي يتضمن تعويضات. وهو ما دفع النقابة الوطنية لمفتشي وموظفي وزارة التشغيل إلى وصفه بـ “نظام الصفر درهم”، والمطالبة بتعديله.
وتستند هذه المطالبة إلى الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية، التي تنص على ضرورة ضمان استقلال مفتشي الشغل وحمايتهم من أي تأثيرات خارجية.
حوارات “شكلية” وتجاهل مستمر
واجهت مطالب مفتشي الشغل بتعديل النظام الأساسي تجاهلاً من الحكومات المتعاقبة، رغم الاحتجاجات المتكررة والإضرابات التي نفذوها. ورغم الحوارات القطاعية التي كانت تجري من حين لآخر، إلا أنها كانت في الغالب “شكلية” ولم تسفر عن نتائج ملموسة.
واستمر هذا الوضع في ظل الحكومة الحالية، التي لم تفِ بوعودها المتكررة، بل وتراجعت عن بعض الممارسات التي كانت معتمدة في الحوار القطاعي.
أمل يتجدد وتحديات ماثلة
ومع التعديل الحكومي الأخير، الذي أتى بكاتبة للدولة مكلفة بالشغل، تجدد الأمل في إمكانية إيلاء اهتمام أكبر لمشاكل مفتشية الشغل. إلا أن هذا التفاؤل بدأ يتلاشى تدريجياً.
واليوم، وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المغرب، مثل إنجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتنظيم كأس العالم 2030، يأمل قطاع الشغل أن تضع الحكومة وممثلو أرباب العمل والمركزيات النقابية حداً لهذا الوضع.
ويطالب العاملون في القطاع بإدراج بند في اتفاق الحوار الاجتماعي المركزي يقضي بتعديل النظام الأساسي لمفتشية الشغل، وإقرار نظام أساسي “عادل ومحفز ومحصن”، بأثر رجعي مالي وإداري، لتعويض الضرر الذي لحق بهم جراء 17 عاماً من “نظام الصفر درهم”.
ويستند هذا المطلب أيضاً إلى ما نص عليه اتفاق الحوار الاجتماعي المركزي ليوم 29 أبريل 2024، بشأن مراجعة الأنظمة الأساسية الخاصة ببعض الهيئات.
عن: عبد الصمد عاصم، مفتش الشغل والكاتب العام للنقابة الوطنية لمفتشي وموظفي وزارة التشغيل، الاتحاد المغربي للشغل (بتصرف).
عن موقع: فاس نيوز