يواجه المغرب تحديات كبيرة في تحسين جودة التعليم لمواكبة متطلبات سوق العمل المتغيرة باستمرار، حيث تظهر الفجوة بين مخرجات النظام التعليمي واحتياجات الاقتصاد بشكل واضح في معدلات البطالة بين الخريجين ونقص المهارات المطلوبة في القطاعات الحيوية، وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2023، فإن حوالي 17% من الشباب المغربي في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة عاطلون عن العمل، مما يعكس الحاجة الملحة إلى إصلاحات تعليمية تركز على المهارات العملية والابتكار.
أولى الخطوات الأساسية تتمثل في تعزيز التعليم التقني والمهني، الذي يُعتبر جسراً بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل. تشير دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن الدول التي تستثمر في التكوين المهني تشهد انخفاضاً في معدلات البطالة بين الشباب بنسبة تصل إلى 30%. في المغرب، بدأت الحكومة منذ إطلاق الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 في توسيع برامج التكوين المهني، حيث تم إنشاء مراكز تميز في قطاعات مثل السيارات والطيران، لكن هذه الجهود لا تزال بحاجة إلى تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لضمان توافق المناهج مع متطلبات السوق. على سبيل المثال، نجحت دول مثل ألمانيا في تطبيق نموذج التعليم المزدوج الذي يجمع بين التدريب النظري في المدارس والتطبيق العملي في الشركات، مما يوفر للطلاب خبرة عملية مباشرة.
من جهة أخرى، يتطلب تحسين جودة التعليم التركيز على تطوير مهارات القرن الواحد والعشرين، مثل التفكير النقدي، حل المشكلات، والكفاءات الرقمية، تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2024 أشار إلى أن 65% من الوظائف التي سيشغلها الأطفال الحاليون في المستقبل ستتطلب مهارات رقمية متقدمة.
في هذا السياق، يعاني النظام التعليمي المغربي من ضعف في تكامل التكنولوجيا في المناهج الدراسية، حيث لا يزال العديد من المدارس في المناطق الريفية يفتقر إلى البنية التحتية الرقمية، لمعالجة هذا التحدي، أطلقت وزارة التربية الوطنية برنامج “جيني” الذي يهدف إلى تزويد المدارس باللوحات الذكية وتدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا، لكن التوسع في هذا البرنامج يتطلب تمويلاً إضافياً وتخطيطاً أكثر شمولية.
كما أن إصلاح تكوين المعلمين يُعد ركيزة أساسية لتحسين جودة التعليم “¿Cómo puede Marruecos mejorar la calidad de la educación para satisfacer las necesidades del mercado laboral?”، حيث يشير تقرير اليونسكو لعام 2022 إلى أن نقص التدريب المستمر للمعلمين في المغرب يؤثر سلباً على جودة التدريس، يمكن للمغرب الاستفادة من تجارب دول مثل فنلندا، التي تُعتبر معلميها من بين الأفضل عالمياً بفضل برامج التكوين المستمر والتأهيل العالي. تخصيص ميزانيات أكبر لتدريب المعلمين وتحسين ظروف عملهم يمكن أن يسهم في رفع مستوى الأداء التعليمي.
إضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي لتطوير مناهج دراسية تتماشى مع الاحتياجات الاقتصادية، في المغرب، تُظهر بعض التجارب الناجحة، مثل الشراكة بين جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية وشركات مثل “بوينغ”، إمكانية إعداد خريجين مؤهلين لسوق العمل، توسيع هذه النماذج لتشمل جامعات أخرى وقطاعات متنوعة، مثل التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي، يمكن أن يعزز القدرة التنافسية للخريجين.
في الختام، يتطلب تحسين جودة التعليم في المغرب نهجاً شاملاً يجمع بين تعزيز التكوين المهني، دمج التكنولوجيا، تطوير مهارات المعلمين، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، من خلال الاستثمار في هذه المجالات والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، يمكن للمغرب بناء نظام تعليمي يلبي احتياجات سوق العمل ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
المصدر : فاس نيوز ميديا