تتزايد الدعوات داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية إلى ضرورة تكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة كرافعة أساسية لتعزيز الثقة في الاقتصاد المغربي، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها السياق الإقليمي والدولي، وأمام الحاجة المتزايدة لجذب الاستثمارات وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وتعد الحوكمة الجيدة، وفق تقارير صادرة عن البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، إحدى الركائز الجوهرية لبيئة اقتصادية مستقرة وشفافة، حيث تسهم في ترسيخ الثقة لدى المستثمرين والشركاء الدوليين من خلال آليات المساءلة، والمراقبة المالية، واستقلالية المؤسسات.
وفي السياق المغربي، أكد محللون اقتصاديون أن الرؤية الملكية لإصلاح الإدارة وتعزيز النزاهة تشكل أساسًا لتحديث بنيات الدولة، مشيرين إلى الخطابات الملكية التي شددت مرارًا على “ربط المسؤولية بالمحاسبة” و”ضرورة تجويد أداء المؤسسات العمومية”.
وأبرز الخبير في الاقتصاد السياسي، الدكتور خالد أيت الطالب، في تصريح لـ”وكالة المغرب العربي للأنباء”، أن “تحسين ترتيب المغرب في مؤشرات الحوكمة العالمية، مثل مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، يتطلب إصلاحات هيكلية تهم تبسيط المساطر، وإعمال الشفافية في تدبير الصفقات العمومية، وإعادة هيكلة المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي”.
من جانبه، أشار تقرير صادر عن البنك الإفريقي للتنمية سنة 2024 إلى أن “تعزيز الحوكمة في المغرب من شأنه رفع نجاعة الإنفاق العمومي وتحسين جودة الخدمات، مما سينعكس إيجابًا على مناخ الأعمال وثقة الفاعلين الاقتصاديين”.
ويلاحظ متتبعون أن الثقة في الاقتصاد المغربي، رغم المؤهلات الكبرى التي يتوفر عليها، ما تزال رهينة بتحديات تتعلق بالبيروقراطية، وضعف التنسيق المؤسساتي، والفساد الإداري، مما يستوجب تسريع تنفيذ الإصلاحات المرتبطة برقمنة الإدارة وتوسيع قاعدة الشفافية المالية.
في هذا الصدد، دعا تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى ضرورة اعتماد المغرب مقاربة شاملة في إصلاح المنظومة الاقتصادية، ترتكز على “حوكمة رشيدة تؤطر علاقة الدولة بالقطاع الخاص، وتشجع على المبادرة، وتوفر ضمانات قانونية للمستثمرين”.
ويبدو أن الحكومة المغربية واعية بهذه التحديات، حيث أطلقت في السنوات الأخيرة مجموعة من المشاريع المرتبطة بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتعزيز استقلالية مؤسسات الحكامة، مثل مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ويأمل خبراء أن تقترن هذه الجهود بإرادة سياسية حقيقية لترسيخ ثقافة المحاسبة، بما يجعل من الحوكمة الرشيدة رافعة حقيقية لتقوية الاقتصاد الوطني، وتحقيق النمو العادل والشامل الذي لا يُقصي أحدًا.
المصدر : فاس نيوز ميديا