الرباط – أصدر مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (Policy Center for the New South) مؤخرًا تقريرًا معمقًا يتناول قضية الاقتصاد غير المهيكل في المغرب، والذي يُعد من أبرز المعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المملكة. التقرير، الذي أعده الخبيران الاقتصاديان حمزة سعودي وأحمد أونيني، يسلط الضوء على حجم هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية المتعددة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الحلول المقترحة للحد من انتشارها.
وقد حظي هذا التقرير بدعم من البنك الدولي وخبراء دوليين، بهدف أساسي هو تزويد صناع القرار بتوصيات عملية وقابلة للتطبيق لتعزيز مسار النمو الاقتصادي الشامل والمستدام في البلاد.
حجم الاقتصاد الخفي في المغرب:
- هيمنة العمالة غير المهيكلة: يكشف التقرير أن الاقتصاد غير المهيكل يستوعب نحو 77% من إجمالي القوى العاملة في المغرب، مما يشير إلى أن الغالبية العظمى من العمال يمارسون أنشطتهم خارج نطاق الحماية الاجتماعية الرسمية.
التأثيرات السلبية للاقتصاد غير المهيكل:
- تدني الإنتاجية: يُعزى انخفاض مستويات الإنتاجية جزئيًا إلى غياب برامج التدريب المهني الممنهجة ومحدودية الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة في هذا القطاع.
- تآكل الإيرادات الضريبية: يؤدي انتشار الاقتصاد غير المهيكل إلى تقلص الوعاء الضريبي للدولة، مما يحد من قدرة الحكومة على تمويل الخدمات العامة الأساسية.
- إعاقة النمو الاقتصادي: يمثل هذا القطاع عائقًا أمام تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام على المدى الطويل، وذلك بسبب ضعف الاستثمار في رأس المال البشري والمادي.
- الهشاشة الاجتماعية: يواجه العاملون في القطاع غير المهيكل ظروف عمل هشة وغير مستقرة، يتميزون بانخفاض الأجور ومحدودية فرص التطور المهني، فضلاً عن غياب الحماية القانونية والاجتماعية.
- شبكة أمان اجتماعي قسرية: على الرغم من سلبياته، يمثل الاقتصاد غير المهيكل في الوقت الحالي مصدر دخل حيويًا للعديد من الأسر التي تجد صعوبة في الحصول على فرص عمل رسمية ومنظمة.
السياق التاريخي والتحديات الهيكلية:
- نمو اقتصادي غير متوازن: على الرغم من مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للمغرب خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2018، لم ينخفض معدل العمالة غير المهيكلة سوى بـ 8 نقاط مئوية فقط، مما يعكس وجود تحديات هيكلية عميقة في سوق العمل.
- تحدي استيعاب الوافدين الجدد: يعجز سوق العمل الرسمي حاليًا عن استيعاب حوالي 400 ألف وافد جديد سنويًا، مما يدفع أعدادًا كبيرة منهم نحو الانخراط في القطاع غير المهيكل.
- ضعف قدرة القطاع الخاص على خلق فرص العمل: يواجه القطاع الخاص المغربي محدودية في قدرته على توليد فرص عمل كافية تلبي الاحتياجات المتزايدة لسوق العمل.
- تعقيد الإجراءات الإدارية والتشريعية: يمثل تعقيد الإجراءات الإدارية والتشريعات الحالية عائقًا أمام انتقال الشركات والعاملين من الاقتصاد غير المهيكل إلى القطاع الرسمي.
العوامل المؤثرة في استمرار الاقتصاد غير المهيكل:
- الإطار القانوني والمؤسساتي:
- غياب قوانين فعالة توفر حماية كافية لحقوق العمال، مثل تحديد حد أدنى للأجور أو تنظيم عمليات التوظيف والفصل.
- ضعف آليات تطبيق القوانين والتشريعات القائمة، مما يقلل من جاذبية العمل في القطاع الرسمي.
- الحوافز الاقتصادية:
- ارتفاع تكاليف الضرائب والمساهمات الاجتماعية المفروضة على الشركات والعاملين في القطاع الرسمي، مما يشجع على تفضيل العمل في القطاع غير المهيكل.
- قلة الحوافز المقدمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للانخراط والتسجيل رسميًا في الاقتصاد المهيكل.
- شروط السوق:
- الصعوبات التي تواجه الشركات في عملية التسجيل الرسمي والحصول على التمويل اللازم لتنمية أنشطتها، مما يعيق نمو الاقتصاد الرسمي.
- ضعف البنية التحتية الاقتصادية في بعض المناطق، وخاصة المناطق الريفية، مما يحد من فرص العمل الرسمية فيها.
الحلول المقترحة للحد من الاقتصاد غير المهيكل:
يؤكد التقرير على ضرورة تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة لمعالجة ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل، تتضمن مجموعة من الإجراءات والسياسات المتناسقة:
- تحسين الإطار القانوني والمؤسساتي:
- سن قوانين فعالة تضمن حماية حقوق العمال بشكل كامل، بما في ذلك تحديد حد أدنى للأجور وظروف عمل لائقة ومنظمة.
- تبسيط وتسهيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بتسجيل الشركات والعاملين في النظام الرسمي.
- تعديل الحوافز الضريبية:
- تقديم إعفاءات ضريبية مؤقتة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تنتقل من القطاع غير المهيكل إلى القطاع الرسمي لتشجيعها على الامتثال.
- تخفيض تكاليف المساهمات الاجتماعية المستحقة على الشركات والعاملين لتشجيع التسجيل في أنظمة الضمان الاجتماعي.
- تحسين شروط السوق:
- تسهيل وصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى مصادر التمويل المختلفة من خلال إطلاق برامج دعم حكومية فعالة.
- تعزيز وتطوير البنية التحتية الاقتصادية في المناطق الريفية لخلق المزيد من فرص العمل الرسمية والمستدامة.
- الاستثمار في التدريب والتعليم:
- توفير برامج تدريب مهني شاملة تهدف إلى تحسين مهارات العمال ورفع مستوى مؤهلاتهم لزيادة فرصهم في الحصول على عمل لائق في الاقتصاد الرسمي.
- تطوير نظام التعليم لتقليل الفجوة بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل المتغيرة، خاصة بالنسبة للوافدين الجدد.
- اعتماد التحول التدريجي:
- تبني سياسات مرنة تأخذ في الاعتبار الواقع الاقتصادي والاجتماعي للعاملين وأصحاب العمل في القطاع غير المهيكل.
- إنشاء برامج انتقالية مصممة خصيصًا لمساعدة العمال على التكيف مع متطلبات العمل الرسمي دون تكبدهم خسائر كبيرة في دخلهم.
أهمية التحول نحو الاقتصاد الرسمي:
يؤكد التقرير على أن الانتقال التدريجي والمنظم نحو الاقتصاد الرسمي يحمل فوائد جمة على مختلف الأصعدة، أبرزها:
- تعزيز الحماية الاجتماعية: يضمن الاقتصاد الرسمي توفير مظلة شاملة للحماية الاجتماعية للعاملين، بما في ذلك التغطية الصحية الشاملة والمعاشات التقاعدية المستدامة، مما يساهم في الحد من الهشاشة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
عن موقع: فاس نيوز