د. الحَسَن بوقسيمي
جامعة سيدي محمد بن عبد الله
فاس
من المعلوم أن ضحايا العنف بالأسلحة البيضاء في تكاثر وتصاعد ملحوظين في مجتمعنا المغربي.
فقد تجاوز عتبة أن تكون حالاته استثنائية هامشية بالنظر إلى حالات الاستقرار والطمأنينة الأمنية داخل مجتمعنا، مع العلم أن أحداثه تنتشر موثَّقةً في وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم.
وعلى الرغم من تفاعل سلطاتنا الصارم تقنينا وتصديا ميدانيا لظاهرة التعدي بالسلاح الأبيض فإن هذا يطرح تساؤلات متعددة، خصوصا ونحن في زمن ألغيت فيه حدود الخصوصيات المجتمعية في جميع مستوياتها ومجالاتها، زمن التواصل الرقمي العابر للقارات المذيب للخصوصيات، على أمل الوصول -لا قدّر الله- لما يُخطَّط له من حكومة كونية تتعامل مباشرة مع مختلف الشعوب فكرا وتجارة وتوجيها، يُمهَّد لهذا بما يسمى “الفوضى الخلاقة”. ولعل ما فُسِحَ فيه المجال لمقاتلي حماس من تسهيل هجومهم على ثكنات الجيش الإسرائيلي بعضٌ من هذا المخطط الذي يعيد بلقنة الخليج والشرق الأوسط، مستندا لمسرحية الدفاع عن النفس.
من مؤشرات محو حدود الخصوصيات انعزال يافعي السن مثلا داخل حجرات نومهم أمام شاشات هواتفهم مبحرين في عوالم الكون الرحبة إيجابا وسلبا.
كلنا يعلم ما يتفاجأ به المرء لمّا تكشف فرق البحث والتحقيق اللثام عن مجريات أحداث وقضايا تظهر للإنسان العادي أنها بسيطة الدواعي والأسباب، فينجلي لنا عمق تركيبها وتعدد تداعياتها التي يكون مصدرها أحيانا خارج حدودنا المغربية.
إن ما نلاحظه من ظاهرة تكرار التعدي بالسلاح الأبيض على مختلِف أطياف مجتمعنا المغربي -أفرادا إناثا وذكورا وأسرا وجماعات ومؤسسات ومدنيين وأمنيين- فيخلّف قتلى وذوي عاهات مؤقتة ومزمنة، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف رموز البلد التربوية والأمنية، يجعلنا في حيرة من أمرنا لتتناسل لدينا أسئلة وتساؤلات؛ فهل هذا:
- نتاج تراكم المشاكل والأزمات والقلق والأمراض النفسية المسبِّبة لها ضغوط الحياة اليومية وغلاء الأسعار المتواصل ومشاهد الأفلام والبرامج غير الهادفة في عالم النت الحر؟
- أم نتاج تهور النشء الصاعد ذي التجربة القاصرة المحدودة في توظيف مصطلحات/قيم الحرية والحقوق والديمقراطية في غير موضعها/سياقها فيسيء من حيث يتوهم أنه يُحسِن؟
- أم نتاج ما يَروج من دعوات لإلغاء عقوبة إعدام القاتل عمدا؟ مما يقلل من التأثير الإيجابي للزجر والردع عن استعمال السلاح الأبيض.
- أم وليد مخططات مغرضة تعمل على المدى المتوسط والبعيد بحسب ما تقتضيه ظروف الشعوب والغايات المراد تحقيقها؟ إذ استقرار الشعوب والدول ليس في صالح من لا يرى نفسه إلا مهيمنا مسيطرا بإطلاق.
- وعليه، فهل هو تمهيد عملي لبث الرعب في النفوس حتى يتسابق أفراد المجتمع للحصول على رخصة السلاح من أجل حماية أنفسهم، ضمن قانون الرخصة لحمل السلاح بهدف حماية النفس؟
- إن مخططات بث الهلع والخوف بين الدول والشعوب سارية المفعول منذ القديم، ممثلة في تعمد المغرض ترك بؤر التوتر، أرضيتُها في كثير من الحدود المتنازَع عليها بين الدول في طول الأرض وعَرضها، ومنها بؤرة أقاليمنا الصحراوية الجنوبية، وكذا صحرائنا الشرقية.
بل من الدول الغربية من تُؤوي عندها تيارات معارضة وحكومات ظِلّ حتى إذا ما توافرت شروط تقطيع جزء/إقليم من بلد ما تُنصَّب الحكومة المقترَحة لتسيير شؤونه.
إن ذكاء/دهاء المُغرض يغلّف اقتراحات تقنينه لقضايا ما بمظاهر المقاصد الإنسانية النبيلة، وكلنا يعلم أن جميع الآليات والوسائل المسهِّلة لعيشنا وعلاقاتنا البشرية سلاح ذو حدّين إيجابي وسلبي؛ فإذا ما عُمِّم ترخيص السلاح مثلا للغالبية العظمي سيسقط في يد من يُوَظَّفون للشر لا للخير.
وعليه فمَن ذا الذي يقف وراء جعل التلميذ/المواطن قنبلة موقوتة تنفجر ضد من يعلّمه ويربّيه؟ وضد من يضحّي ساهرا على أمنه بجميع أنواعه؟ وأقصد هنا التعليل الشمولي السياقي الحضاري؛ لنتصور مجتمعا أغلب أفراده جهّال أمّيّون يغلب عليه اللاأمن واللااستقرار!
هذا ولست بإثارتي هذا الموضوع هنا متشائما فمجرد الوعي به نصف العلاج، إنما قصدي تعميم الوعي به من أجل الوقاية منه بأقصى جهد ممكن وبأكثر من حيلة ووسيلة، وليس هذا مستعصيا على بلدنا المغرب الذي تحاك ضده كل أنواع المكائد فيعطي بمواجهته لها الدروس الحضارية محليا وعالميا.
عن موقع: فاس نيوز