تاريخ كرة القدم الأفريقية: من الهامش إلى العالمية

عرفت كرة القدم الإفريقية مسارًا طويلًا من التهميش إلى التألق على الساحة العالمية، حيث تحولت اللعبة الشعبية في القارة السمراء من نشاط محلي محدود الإمكانات إلى قوة رياضية مؤثرة على المستويين القاري والدولي، تفرز مواهب تتألق في أبرز الدوريات وتشارك بقوة في المحافل الكبرى.

تعود بدايات كرة القدم في إفريقيا إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حينما أدخلها المستعمرون الأوروبيون، لا سيما في دول مثل مصر، جنوب إفريقيا، والجزائر. وقد شهدت مصر أول بطولة محلية سنة 1921، وكانت من أوائل الدول التي انضمت إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) سنة 1923.

ورغم ظهور منتخبات إفريقية مبكرًا في المنافسات الدولية، مثل مشاركة مصر في كأس العالم 1934، إلا أن تمثيل القارة ظل محتشمًا لعقود، بسبب القيود الجيوسياسية ونظرة التهميش من الهيئات الدولية. وقد ناضلت اتحادات كروية مثل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، الذي تأسس سنة 1957، من أجل نيل الاعتراف وتوسيع حصة القارة في البطولات الكبرى.

وشكلت فترة السبعينيات والثمانينيات نقطة تحول في مسار كرة القدم الإفريقية، مع بروز منتخبات مثل زائير (الكونغو الديمقراطية حاليًا) التي شاركت في مونديال 1974، ثم الكاميرون، نيجيريا، والمغرب الذين أحرزوا نتائج مشرفة على الساحة العالمية. وحقق المنتخب المغربي أول إنجاز عربي إفريقي بالوصول إلى دور الـ16 في كأس العالم 1986 بالمكسيك.

وقد جاءت لحظة التحول الحاسمة في الألفية الجديدة، مع تصاعد حضور النجوم الأفارقة في الدوريات الأوروبية الكبرى، مثل ديدييه دروغبا (كوت ديفوار)، صامويل إيتو (الكاميرون)، ويايا توريه (كوت ديفوار)، ومحمد صلاح (مصر)، الذين باتوا رموزًا عالمية وجعلوا من القارة السمراء منبعًا للموهبة الكروية.

وتُوّج هذا المسار بالصعود التاريخي للمنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر، كأول منتخب إفريقي وعربي يبلغ هذا الدور، في لحظة وُصفت بأنها “نقطة انعطاف” في تاريخ كرة القدم الإفريقية من قبل الفيفا، مؤكدة أن القارة باتت تمتلك القدرة على التنافس على أعلى المستويات.

وعلى مستوى الأندية، نجحت فرق مثل الأهلي المصري، الرجاء والوداد المغربيين، والترجي التونسي في فرض حضورها القاري والدولي، ما يعكس تطور البنية التحتية والتقنيات التدريبية في عدد من دول إفريقيا.

ورغم التحديات المرتبطة بالبنية التحتية، ضعف التمويل، وغياب التخطيط طويل المدى في بعض البلدان، فإن كرة القدم الإفريقية تسير بخطى ثابتة نحو العالمية، بدعم من الاتحاد الإفريقي والاتحاد الدولي، عبر مشاريع تطوير الفئات السنية، التحكيم، وتكوين الأطر الفنية.

ويُجمع المتتبعون على أن القارة الإفريقية، بثروتها البشرية وشغفها الفريد باللعبة، تملك كل المقومات لتصبح قاطرة كروية عالمية في العقود المقبلة.

المصدر : فاس نيوز ميديا