تُعد كرة القدم أكثر من مجرد لعبة؛ إنها صناعة عالمية ضخمة تُحرّك مليارات الدولارات سنويًا، وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الاقتصادات الوطنية والدولية. من الملاعب إلى شاشات التلفزيون، ومن عقود اللاعبين إلى الإعلانات والرعايات، تحوّلت كرة القدم إلى قوة اقتصادية قائمة بذاتها، تؤثر على قطاعات مختلفة مثل السياحة، الإعلام، الترفيه، والنقل.
تشير تقديرات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى أن كأس العالم 2022 في قطر ضخّت مليارات الدولارات في الاقتصاد المحلي، عبر الاستثمارات في البنية التحتية، وتوافد ملايين المشجعين، إضافة إلى العائدات من حقوق البث التلفزيوني والرعاة العالميين. هذه العائدات لا تصب فقط في خزائن الاتحادات الرياضية، بل تشمل الفنادق، المطاعم، خدمات النقل، ومتاجر التجزئة، التي تستفيد من الزخم الجماهيري المصاحب للمباريات.
كما تساهم الأندية الكبرى، مثل ريال مدريد ومانشستر سيتي، في تحريك اقتصادات محلية بفضل جماهيرها، مبيعات التذاكر، العقود التجارية، والمنتجات الرسمية. وتُعد حقوق البث التلفزيوني أحد أبرز مصادر الدخل في هذه الصناعة، حيث تُقدّر بمليارات الدولارات، وتشكل حجر الزاوية في تمويل الأندية والدوريات.
في المقابل، تفتح كرة القدم آفاقًا اقتصادية للمدن المستضيفة للبطولات الكبرى. فتنظيم تظاهرة كروية مثل كأس العالم أو كأس إفريقيا للأمم يعني استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وخلق فرص عمل مؤقتة ودائمة، بالإضافة إلى الترويج السياحي طويل الأمد. وتُظهر البيانات أن المدن التي تستضيف هذه البطولات غالبًا ما تسجل ارتفاعًا في الإيرادات السياحية خلال وبعد الحدث.
من جانب آخر، ساهم تطور التسويق الرياضي في تحويل اللاعبين إلى علامات تجارية عالمية. أسماء مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي لم تعد مرتبطة فقط بالمستطيل الأخضر، بل أصبحت تستقطب عقود إعلانية ضخمة تعزز من القيمة الاقتصادية للاعب والنادي على حد سواء.
ولم تغب التكنولوجيا عن المشهد؛ إذ أصبح الاستثمار في الابتكار الرياضي، مثل تقنية حكم الفيديو (VAR)، وتحليلات البيانات، مجالًا جديدًا يُدرّ أرباحًا لشركات ناشئة ومستثمرين مهتمين بالتحول الرقمي في الرياضة.
في المغرب، بدأت ملامح هذا التأثير تبرز بشكل واضح، خاصة بعد الأداء اللافت للمنتخب الوطني في مونديال قطر، وما تبعه من انتعاش للمنتجات الرياضية، والاهتمام المتزايد بالبنية التحتية الرياضية، ما يفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة في هذا القطاع.
بذلك، يتأكد أن كرة القدم، بما تملكه من قاعدة جماهيرية وانتشار عالمي، أصبحت من أبرز محركات الاقتصاد الحديث، تتجاوز الترفيه، لتغدو أداة مالية واستثمارية متكاملة، تحرّك الأسواق وتعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي والمحلي على حد سواء.
المصدر : فاس نيوز ميديا