أهمية السياسات البيئية في تحقيق نمو اقتصادي مستدام بالمغرب

في سياق التحولات المناخية المتسارعة وتزايد الضغوط على الموارد الطبيعية، يبرز المغرب كنموذج في تبني سياسات بيئية تُراهن على تحقيق توازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، في أفق بلوغ اقتصاد مستدام وشامل.

و تمثل السياسات البيئية المعتمدة بالمملكة إحدى الركائز الأساسية لتحقيق أهداف النمو المستدام، تماشيًا مع التزامات المغرب الدولية، لاسيما اتفاق باريس للمناخ وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.


ففي تقرير صادر عن البنك الدولي، تم التأكيد على أن “الاستثمار في الطاقة المتجددة، والإدارة المستدامة للموارد المائية، وتثمين النفايات، يمكن أن تساهم في خلق فرص الشغل وتحقيق نمو أخضر يقلل من هشاشة الاقتصاد أمام التغيرات المناخية.”

مشاريع رائدة والتزامات طموحة

و شهدت السنوات الأخيرة إطلاق مشاريع بيئية كبرى، أبرزها محطة نور للطاقة الشمسية بورزازات، التي تُعد من بين أكبر المحطات في العالم، إلى جانب مخططات لحماية التنوع البيولوجي، وتشجيع الفلاحة المستدامة، وتعميم الطاقات النظيفة في المناطق القروية.

و في هذا الصدد، أفادت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بأن المغرب يطمح إلى بلوغ نسبة 52% من الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي الوطني بحلول سنة 2030، وهو ما يتوافق مع توصيات الوكالة الدولية للطاقة التي ترى أن الانتقال الطاقي يمثل فرصة لتعزيز الأمن الطاقي وتنويع الاقتصاديات الوطنية.

البيئة في قلب النموذج التنموي الجديد

و اعتمد المغرب نموذجًا تنمويًا جديدًا يضع البعد البيئي في صلب رؤيته التنموية، إذ يعتبر حماية البيئة ليس فقط واجبًا أخلاقيًا أو التزامًا دوليًا، بل أداةً استراتيجية لتعزيز التنافسية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة للمواطنين.

ويؤكد تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن “التحول البيئي ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة لبلوغ تنمية مندمجة”، مشددًا على أهمية إدماج المعايير البيئية في السياسات العمومية والاستثمارية.

تحديات قائمة وآفاق واعدة

ورغم التقدم المسجل، تواجه السياسات البيئية في المغرب عددًا من التحديات، من بينها ضعف الوعي البيئي لدى بعض الفاعلين، ونقص التمويل في مشاريع الاقتصاد الأخضر، إضافة إلى التفاوتات المجالية في توزيع البنيات التحتية البيئية.

وفي هذا الصدد، دعت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى ضرورة مواكبة الجماعات الترابية في تنزيل السياسات البيئية، وتعزيز القدرات المحلية، مشيرًا إلى أن “اللامركزية البيئية عامل حاسم في إنجاح أي انتقال بيئي شامل.”

نحو اقتصاد أخضر شامل

يرى خبراء الاقتصاد والبيئة أن المراهنة على السياسات البيئية لم تعد مجرد ترف، بل خيار استراتيجي لرفع التحديات المرتبطة بندرة المياه، والتصحر، والتلوث، وتحقيق عدالة مجالية في التنمية.
ووفقًا لـمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فإن “الاقتصادات التي تنجح في دمج البعد البيئي في سياساتها العمومية ستكون أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، وأكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي.”

وفي ظل هذه المعطيات، يتجه المغرب إلى ترسيخ موقعه الإقليمي كفاعل بيئي ملتزم، واضعًا السياسات البيئية في صلب هندسة نمو اقتصادي أكثر عدلاً واستدامة.

المصدر : فاس نيوز ميديا