في ظل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وارتفاع معدلات البطالة، بات البحث عن العمل في المغرب يواجه تحديات متزايدة، دفعت العديد من الشباب وحاملي الشهادات إلى تبني استراتيجيات جديدة تُمكّنهم من اختراق سوق شغل متقلب وشديد التنافسية. وتشير آخر معطيات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن معدل البطالة بلغ خلال سنة 2024 حوالي 13.5%، ليرتفع إلى أكثر من 32% في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، ما يعكس هشاشة الوضع الاقتصادي وصعوبة الإدماج المهني، خاصة في ظل ضعف النمو وفرص الاستثمار.
أمام هذا الواقع، لجأ الكثير من الشباب إلى تنويع قنوات البحث عن العمل، بالاعتماد على المنصات الرقمية المتخصصة وشبكات التواصل المهني، وعلى رأسها LinkedIn، بدل الاكتفاء بالوسائل التقليدية المعتمدة على الوساطة الاجتماعية أو الإعلانات الورقية. وقد أكدت منظمة العمل الدولية أن التحول الرقمي أفرز فرصًا جديدة للباحثين عن الشغل، لكنه فرض في المقابل تحديات تتعلق بالكفاءات الرقمية والقدرة على التفاعل السريع مع متغيرات السوق.
التكوين الذاتي عبر الإنترنت بات أيضًا خيارًا استراتيجيًا للعديد من الشباب الذين يسعون إلى تقوية مهاراتهم التقنية واللغوية من خلال منصات تعليمية مفتوحة مثل Coursera وUdemy. ووفق توصيات اليونيسكو، فإن التعلم مدى الحياة أصبح ركيزة أساسية للاندماج المهني، خصوصًا في البلدان التي تعاني من فجوة واضحة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
وفي غياب فرص كافية في القطاعين العام والخاص، اختار عدد من الباحثين عن العمل التوجه نحو العمل الحر والمبادرات الذاتية من خلال برنامج “المقاول الذاتي”، الذي شكل مخرجًا لكثير من العاطلين، رغم الإكراهات المتعلقة بالتمويل والتأطير الإداري. ويعتبر خبراء الاقتصاد أن ريادة الأعمال لم تعد فقط ملاذًا اضطراريًا، بل خيارًا عقلانيًا يعكس تحولًا في الوعي الفردي والجماعي إزاء سبل الاندماج المهني، مع ضرورة مرافقة هذه الدينامية بإجراءات تشجيعية فعالة.
من جهة أخرى، لا يزال خيار الهجرة مطروحًا بقوة لدى فئات واسعة من الشباب المغربي، خاصة أصحاب التخصصات التقنية والطبية، رغم العراقيل المتزايدة التي تفرضها سياسات الهجرة في عدد من الدول الأوروبية. وتفيد تقارير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن المغرب من بين الدول التي تعرف نسبًا مرتفعة في الهجرة المهنية نحو الخارج، بحثًا عن آفاق أرحب ومستقبل أكثر استقرارًا.
وسط هذا المشهد، يبرز التحدي الأكبر في ضعف التناسق بين التكوين وسوق الشغل، ما يتطلب، وفق عدد من المهنيين والخبراء، مراجعة جذرية لسياسات التوجيه والتعليم، وربطها بمتطلبات الاقتصاد الوطني والدولي، إلى جانب دعم الاستثمار، وتشجيع المبادرات الفردية، وتحسين جودة الخدمات العمومية ذات الصلة بالتشغيل. فرغم الأزمات، تظل فرص النجاح قائمة، لكنها أصبحت أكثر ارتباطًا بقدرة الأفراد على التكيف، والانفتاح على المهارات الجديدة، والابتكار في تصور مساراتهم المهنية.
المصدر : فاس نيوز ميديا