د. هشام بوقشوش يكتب/ الطقوس المائية في عاشوراء: “زمزم” و”الباشير”

تشكل الطقوس المائية أحد أبرز أبعاد الاحتفال بعاشوراء في المجتمع المغربي، إذ تكتسي هذه الممارسة رمزية كثيفة تتجاوز الفعل الظاهري لرش الماء، لتصبح تعبيرا عن مخيال جماعي راسخ يعيد إنتاج معاني الطهارة والتجدد والتواصل الاجتماعي.

تعرف هذه الممارسة في عدة مناطق مغربية، خصوصا في الحواضر الكبرى، بـ”زمزم”، في استحضار رمزي لبئر زمزم في مكة، وإن كانت ممارسة “زمزم” المغربية ذات خصوصية محلية منفصلة عن الدلالة الدينية المباشرة. إذ يقذف الماء بين الأفراد، خصوصا الأطفال والشباب، في الشوارع والساحات العامة، ويقابل ذلك بضحك جماعي وصراخ وفرار وهمي، ما يحول الماء إلى أداة للعب والفرح الجماعي.

يمكن اعتبار طقس “زمزم” شكلا من الاندماج الجماعي اللاهرمي، حيث تختفي الفوارق العمرية والطبقية مؤقتا، ويشارك الجميع في لحظة رمزية من “التطهر الجماعي”، كما لو أن الماء يغسل لا الأجساد فقط، بل أيضا التوترات والصراعات الرمزية داخل الفضاء العمومي. هذا يتقاطع مع ما يسميه دوركهايم بـالطقوس الجماعية التي تعيد التوازن الرمزي للمجتمع.

في بعض المناطق، يطلق على هذا الطقس اسم “الباشير” أو “باشير عاشوراء”، خصوصا في أوساط الأطفال. ويمارس داخل الفضاءات الخاصة، كالبيوت أو الأزقة الصغيرة، باستعمال أدوات بسيطة لرش الماء (قنينات بلاستيكية أو دلاء صغيرة). يحمل هذا الاسم دلالة محلية قديمة مرتبطة بالبهجة الصبيانية، ويوظف فيها الماء بوصفه أداة للتواصل الاجتماعي والمرح الجماعي.

يمكن تحديد جملة من الوظائف الاجتماعية والرمزية لهذا الطقس، من بينها التجدد الرمزي، كون الطقس يمارس بداية السنة الهجرية، ما يمنحه معنى تجديديا شبيها بالعماد الرمزي، أو ما يشبه بداية جديدة من الناحية الوجودية للجماعة. وهي فرصة لتعزيز روابط القرب، من خلال تبادل الرش، تتوطد العلاقات بين أفراد الحي، خصوصا بين الأطفال، ما يعزز من رأس المال الاجتماعي المحلي. وهو فرصة بالمقابل لتحييد التوترات في بعض الأحياء التي تشهد نزاعات أو احتكاكات، ومن تم فطقس “زمزم” لحظة هدنة رمزية تذيب التوترات من خلال الضحك الجماعي وتفاعل الجسد. إنه استمرارية الطقس العابر للزمن، إذ تشكل “زمزم” طقسا متوارثا، يستدعي في كل دورة احتفالية ذكريات الطفولة، ويعيد ترسيخ الهويات المحلية والعائلية ضمن الاستمرارية الثقافية.

في ظل التحولات الاجتماعية والتمدن، بدأ الطقس المائي يشهد تحولات وانزياحات في معناه وسياقه، ليتم التجريم القانوني أحيانا، ففي بعض المدن، أصبح رش الماء في الفضاء العام يعتبر “مخلا بالنظام”، ما أدى إلى تضييق على ممارسته. أحانا تم تحويله إلى مادة تجارية، ليتم بيع الأدوات الخاصة برش الماء (مسدسات ماء، قنينات مزخرفة…) في الأسواق، يظهر تحول الطقس إلى سلعة استهلاكية ضمن منطق السوق. ليتراجع معها الطابع الرمزي لدى الأجيال الجديدة، إذ بدأ الطقس يفقد رمزيته الأصلية المرتبطة بالتجدد والفرح الجماعي، ليتحول إلى مجرد لعبة موسمية أو فعل مشاغبة.

يمثل الطقس المائي في عاشوراء المغربية – سواء في صيغته العامة “زمزم” أو المحلية “الباشير” – لحظة رمزية كثيفة الدلالة، تؤدي وظائف اجتماعية تتصل بتجديد العلاقات، وتفريغ التوترات، وإعادة إنتاج الجماعة ضمن طقس لعب جماعي طهوري. ورغم ما يشهده من تحولات، فإن الطقس يظل تعبيرا عن قدرة الثقافة الشعبية المغربية على إعادة اختراع المعنى من خلال الجسد والماء والفرح المشترك.

د. هشام بوقشوش / باحث في علم الاجتماع

عن موقع: فاس نيوز