من كفاح المصانع إلى صناعة النخبة.. عاملات سيدي إبراهيم بفاس وأبناؤهن يروون ملحمة التضحية

خلف أسوار الوحدات الصناعية بالحي الصناعي سيدي إبراهيم بفاس، تُنسج كل يوم قصص كفاح لنساء مكافحات يعملن على مدار الساعة، ليس فقط من أجل لقمة العيش، بل لبناء مستقبل أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر. هؤلاء النساء، اللواتي يقطن أغلبهن في أحياء شعبية كعვينات الحجاج ودوار الهندية، يمثلن أسطورة حية في التضحية والعطاء.
ويشهد لهن واقعهن اليومي برحلة كفاح تبدأ مع الساعات الأولى للفجر ولا تنتهي إلا في وقت متأخر من الليل، بين متطلبات العمل الشاق في المصانع ومسؤوليات تدبير شؤون الأسرة وتربية الأبناء. هذا العطاء المزدوج لم يذهب سدى، بل أثمر عن تخريج المئات من خيرة شباب وشابات مدينة فاس الذين استطاعوا بفضل تضحيات أمهاتهم أن يتقلدوا اليوم مناصب رفيعة ومسؤوليات كبرى في مختلف القطاعات الحيوية.
فخلف كل طبيب مهندس أو مسؤول ناجح من أبناء هذه الأحياء، تقف قصة أم عظيمة. فهؤلاء العاملات لم يصنعن المنتجات داخل المصانع فحسب، بل صنعن أطراً وكفاءات عليا، وأثبتن أن المرأة المغربية، رغم كل التحديات، تظل هي الركيزة الأساسية لكل أسرة ناجحة. وخلف كل قصة نجاح، أصوات حية تروي فصول الملحمة.
أصوات من قلب الكفاح.. شهادات حية
شهادة أم: “فاطمة. عاملة منذ 25 عاماً”
“عندما كانت يداي تتشقق من المواد الكيماوية في المصنع، كنت أغمض عيني وأرى يد ابني وهي تمسك القلم. لم يكن التعب يؤلمني، ما كان ليؤلمني هو أن أراه محتاجاً لدفتر أو كتاب. راتبي الحقيقي لم يكن بالأرقام، بل هو شهاداتهم المعلقة على الحائط اليوم”.
شهادة قاضٍ: “علي. ابن عاملة في قطاع النسيج”
“المطرقة التي أمسكها اليوم، استمدت صلابتها من يديها اللتين تحملتا قسوة الآلات لعقود. في كل حكم أصدره بحثاً عن الإنصاف، أرى وجهها وأستحضر كفاحها، فأدرك أن العدل الحقيقي هو أن نكون في قامة تضحيات آبائنا وأمهاتنا”.
شهادة رجل أعمال: “عبد العزيز. من أبرز تجار الجملة بالدار البيضاء”
“يسألني الكثيرون عن سر نجاحي. جوابي دائماً بسيط: أول صفقة تجارية تعلمتها كانت من أمي. كانت تشتري بالكرامة، وتبيع بالتضحية، وتستثمر فينا بالحب. ثروتي الحقيقية ليست في حسابي البنكي، بل في الرضا الذي أراه في عينيها”.
شهادة ابن: “المهندس كريم. ابن عاملة نسيج”
“دبلوم الهندسة الذي أحمله يحمل توقيعي، لكن حبره هو عرق والدتي. كل مشروع أصممه اليوم، وكل نجاح أحققه، هو حجر أضعه في صرحها، هي التي بنتني من لا شيء. نجاحي ليس نجاحي، بل هو ثمرة تضحيتها التي لا تقدر بثمن”.

عن موقع: فاس نيوز