من عدميّة الشكوى إلى واقعيّة الإنجاز.. دعوة لبناء مغرب الفعل لا مغرب الكلام

في خضم الأصوات المتعددة والنقاشات اليومية، يقف المواطن المغربي أمام مفترق طرق: إما أن ينجرف مع تيار “العدمية” والتشكيك الذي لا يرى إلا السواد، وإما أن يتشبث بـ”الواقعية” التي تعترف بالإنجازات وتحدد التحديات بصدق للمضي قدماً. هذا المقال ليس للدفاع أو الهجوم، بل هو دعوة لوضع الأمور في نصابها، انطلاقاً من مدينتنا فاس، وامتداداً لوطننا الشامخ.

لنبدأ من الحقائق الملموسة التي لا يمكن إنكارها: أي مواطن يعيش اليوم على أرض المغرب، هو يعيش في أفضل مكان في قارته الإفريقية وشمالها. نعم، لدينا بنية تحتية صحية خاصة تضاهي العالمية، ومنظومة تعليمية عريقة وحديثة، وأقطاب صناعية وتكنولوجية توفر رواتب قياسية. هذه ليست أمنيات، بل هي حقائق أثبتناها بالأرقام. فمن ينكر هذا، فهو لا ينتقد، بل يجحد.

نعم، لدينا تحديات. الفساد موجود، لكنه كمرض يعاني منه العالم بأسره، والمعركة ضده مستمرة ولن تتوقف. المرفق العمومي يعاني من ضغط، لكن سببه الحقيقي هو مطلب “المجانية” الذي يجب أن نناقشه بوضوح ومسؤولية، لا أن نخفيه وراء أكذوبة “غياب المستشفيات”. هناك بطالة، لكن سببها في كثير من الأحيان هو الفجوة بين “ديبلوم” لا قيمة له و”كفاءة” لا وجود لها. هذه هي التحديات الحقيقية التي تتطلب حلولاً جريئة لا شعارات عدمية.

إن “العدمية” هي أسهل الحلول وأكثرها جبناً. من السهل أن نقول “لا شيء يعجب”، لكن من الصعب أن نعترف بأن حالنا اليوم أفضل بكثير مما كان عليه بالأمس، وأفضل من حال الكثيرين حولنا. هذا التقدم الهائل لم يأت من فراغ، بل بفضل الله، وبفضل رؤية وحكمة قائدنا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبتضحيات رجال ونساء هذا الوطن الذين يعملون في صمت. أن نفتخر بملكنا ومملكتنا ووطننا ليس شعاراً سياسياً، بل هو اعتراف بالجميل ودرع يحمينا من التيئيس.

نعم، ما زال هناك الكثير مما يجب عمله. هناك إنجازات عظيمة، وهناك إخفاقات يجب أن نتعلم منها. لكن الأهم من كل هذا، هو أن ندرك أن المشعل اليوم في أيدينا جميعاً. الدولة تبني الجدران والطرقات، لكن المواطن هو من يبني نفسه بالعلم والكفاءة والعمل. الدولة تضع القوانين، والمواطن هو من يبني مجتمعه بالاحترام والتضامن والأخلاق.

إن الشكوى لن تبني مستشفى ولن توفر فرصة عمل. ما سيفعل ذلك هو أن ننهض كل صباح ونحن نسأل أنفسنا: ما هي مساهمتي اليوم لأجعل هذا الوطن أفضل؟ كيف أحول هذا الديبلوم إلى كفاءة حقيقية؟ كيف أكون مواطناً صالحاً يضيف قيمة لمجتمعه؟

هذا هو مغربنا، بإنجازاته وتحدياته. فلنختر أن نكون جزءاً من الحل، ولنترك الشكوى لمن لا يملكون شجاعة البناء. فلنعمل جميعاً، كل من موقعه، لنبني شيئاً جميلاً لنا وللأجيال القادمة، شيئاً يليق بهذا الوطن العظيم.

المصدر: فاس نيوز