من المسيرة الخضراء إلى النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية: المغرب يكرّس ريادته الإقليمية واستقراره الداخلي خدمة للسلم الإفريقي.
في الوقت الذي يعيش فيه العالم تحوّلات جيوسياسية عميقة، يواصل المغرب ترسيخ حضوره كفاعل إقليمي متوازن، بفضل رؤية دبلوماسية متبصّرة تجمع بين الثبات في المبادئ والمرونة في الأسلوب.
قضية الصحراء، التي شكّلت على مدى عقود جوهر العمل الدبلوماسي المغربي، تحوّلت اليوم إلى نموذج واقعي للاستقرار والتنمية، وإلى ركيزة في بناء شراكات اقتصادية وسياسية متينة مع إفريقيا والعالم.
من المسيرة الخضراء إلى استكمال الوحدة الترابية
في السادس من نونبر سنة 1975، انطلقت المسيرة الخضراء المظفرة، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، كملحمة سلمية جسدت تلاحم الشعب والعرش من أجل استرجاع الأقاليم الجنوبية.
ومنذ ذلك التاريخ، انكب المغرب على بناء مؤسسات الدولة في الصحراء، وتثبيت سيادته الشرعية التي تمتد جذورها عبر قرون من الروابط البيعية والتاريخية بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي المجيد.
الدبلوماسية المغربية.. من الدفاع إلى المبادرة
خلال العقود الأخيرة، وبالخصوص منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، شهدت الدبلوماسية المغربية تحولًا نوعيًا من الدفاع عن الموقف الوطني إلى المبادرة الفاعلة على المستوى الدولي.
ففي سنة 2007، قدّم المغرب إلى الأمم المتحدة مقترح الحكم الذاتي كحلّ سياسي واقعي وذي مصداقية، تحت السيادة المغربية، يضمن لسكان الأقاليم الجنوبية تدبير شؤونهم المحلية في إطار موحد ومستقر.
وقد أصبح هذا المقترح اليوم المرجع الأساسي في قرارات مجلس الأمن، مع تنامي الاعتراف الدولي به كخيار وحيد قابل للتطبيق.
تنمية الأقاليم الجنوبية.. من الرمزية إلى الفعل
تجلّت حكمة الرؤية الملكية في إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015، الذي خصص له استثمار يفوق 77 مليار درهم.
ويهدف هذا المشروع إلى تحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي متكامل، عبر مشاريع كبرى مثل:
- ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيشكل بوابة للمغرب نحو إفريقيا.
- مشاريع الطاقات المتجددة، والصيد البحري، والطرق السريعة، والمناطق الصناعية.
هذه الدينامية جعلت من العيون والداخلة نموذجين للتنمية المستدامة، ومجالًا لتكامل التنمية الوطنية.
إشعاع دبلوماسي متنامٍ
على الصعيد الدولي، تمكن المغرب خلال ربع قرن من تحقيق انتصارات دبلوماسية متتالية:
- أكثر من 30 دولة افتتحت قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة.
- عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 من موقع قوة وثقة.
- تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ودول الخليج، وأميركا اللاتينية.
هذه النجاحات تُبرز دبلوماسية مغربية هادئة وفعالة، تجمع بين الشرعية القانونية، والاعتراف الواقعي، والعمل الميداني المتواصل.
المغرب والعمق الإفريقي.. من التضامن إلى الريادة
تحوّلت الصحراء من منطقة نزاع إلى جسر للتعاون الإفريقي، بفضل انخراط المغرب في مشاريع تنموية وأمنية في غرب ووسط القارة.
فالمملكة تراهن على الاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي الإفريقي من خلال الاستثمار في البنى التحتية، والطاقات النظيفة، والتكوين الديني المعتدل.
وهو ما يجعل استقرار الأقاليم الجنوبية عنصرًا رئيسيًا في أمن الساحل والصحراء، وركيزة لبناء فضاء مغاربي وإفريقي متماسك.
خاتمة
اليوم، وبعد مرور خمسين سنة على المسيرة الخضراء، وربع قرن على عهد الدبلوماسية الملكية الحديثة، يؤكد المغرب أن الصحراء المغربية ليست قضية حدود بل قضية وجود.
هي رمز للوحدة الوطنية، ومدخل للتنمية الشاملة، وجسر نحو عمق إفريقي واعد.
وبفضل سياسة متبصرة تجمع بين الشرعية التاريخية والتنمية الميدانية، يرسّخ المغرب مكانته كقوة استقرار في المنطقة، وفاعل أساسي في صناعة السلم والتنمية في إفريقيا.
عن موقع: فاس نيوز
فاس نيوز – موقع الجهة الاخباري 24 ساعة موقع اخباري لجهة فاس مكناس منكم و اليكم ننقل الرأي و الرأي الآخر