✍️ بقلم: معاذ الوزاني الشاهدي (مقالة رأي*)
حين اعتمدت الأمم المتحدة المقترح المغربي للحكم الذاتي كحلّ جادّ وواقعي لقضية الصحراء، لم يكن ذلك مجرد انتصار دبلوماسي، بل تتويج لمسار وطني في بناء نموذج متقدّم للامركزية السياسية.
ذلك الاعتراف الأممي هو في جوهره شهادة على نضج التجربة المغربية في توزيع السلطة داخل وحدة الدولة.
لكن، بعد أكثر من عقد على هذا التحوّل، ما زال المشهد الحزبي المغربي يعيش بمنطق مركزي جامد، بعيد عن روح الجهوية التي كرّسها الدستور.
القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية ما يزال يحصر العمل الحزبي في النموذج الوطني الواحد، مانعاً تأسيس أحزاب جهوية مستقلة تعبّر عن الخصوصيات الترابية داخل الوحدة الوطنية.
وهنا تكمن المفارقة: المغرب يُقدّم للعالم نموذجاً في الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة، لكنه داخلياً لا يزال يُجرّم الممارسة الحزبية الجهوية!
الواقع السياسي، مع ذلك، تجاوز النص القانوني منذ زمن.
فالأحزاب “الوطنية” تشتغل بمنطق جهوي فعلي:
فروعها في الجهات تحدد الترشيحات، والأعيان الجهويون يمولون الحملات، والمجالس الجهوية أصبحت فضاءات لتوزيع النفوذ الحزبي أكثر من كونها فضاءات للتخطيط التنموي.
أي أننا أمام أحزاب جهوية في الممارسة، وطنية في القانون فقط.
من هنا تبرز الحاجة إلى إصلاح تشريعي شجاع يجعل القانون منسجماً مع الدستور ومع التزامات المغرب الدولية.
فتقنين الأحزاب الجهوية لا يعني تفكيك الدولة، بل ترسيخ وحدتها على أسس ديمقراطية.
فالدولة التي تنال اعترافاً دولياً بنجاح نموذجها في الحكم الذاتي، لا يمكن أن تخشى من تطبيقه داخلياً.
إن تعديل القانون التنظيمي للأحزاب السياسية يجب أن يشمل أساساً:
- الاعتراف بالحزب الجهوي كتنظيم قانوني يشتغل داخل جهة واحدة أو أكثر في إطار وحدة الدولة.
- تخفيض شروط التأسيس إلى 300 عضو مؤسس من أبناء الجهة.
- حصر نشاطه في الانتخابات المحلية والجهوية، مع إمكانية التحالف الوطني في التشريعيات.
- ربط تمويله بصندوق التنمية الجهوية تحت مراقبة محكمة الحسابات.
بهذا الشكل، سيتحول العمل الجهوي من واقع غير معترف به إلى إطار قانوني منظم يساهم في تجديد النخب السياسية وإنتاج قيادات محلية تعبّر عن هموم المواطن الجهوي، لا عن حسابات المركز.
تقنين الأحزاب الجهوية سيفتح الباب أمام جيل جديد من الفاعلين السياسيين، يشتغلون بمنطق التنمية والمساءلة المحلية، لا بمنطق الولاء الحزبي أو الوساطة المركزية.
وسيمنح للمغرب قوة إضافية في الدفاع عن مشروعية مشروعه أمام المنتظم الدولي، إذ سيبرهن على أن “الحكم الذاتي” ليس مجرد مقترح دبلوماسي، بل اختيار سياسي متكامل يطبّقه داخل حدوده أولاً.
لقد أثبت المغرب أنه قادر على بناء مؤسسات جهوية ناجحة، وأن أبناء الجهات قادرون على تدبير شؤونهم بكفاءة.
فلماذا لا نثق فيهم سياسياً كما وثقنا فيهم إدارياً؟
الوحدة الوطنية لا تُصان بالمركزية، بل بالمشاركة.
وحين نفتح الباب أمام الأحزاب الجهوية، نكون قد انتقلنا فعلاً من خطاب الجهوية المتقدمة إلى ممارستها الديمقراطية.
وهذا بالضبط ما يحتاجه المغرب اليوم: دولة تثق في جهاتها، وتبني قوتها من تنوّعها، لا من مركزيتها.
*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة على رأي الجريدة أو توجهها
عن موقع: فاس نيوز
فاس نيوز – موقع الجهة الاخباري 24 ساعة موقع اخباري لجهة فاس مكناس منكم و اليكم ننقل الرأي و الرأي الآخر