alt

 بدأ رمضان هذا العام يستعيد عافيته في بغداد رغم حرارة الجو الخانق وأزمة الكهرباء والوقود وكل ما يتصل بتوفير مستلزمات الراحة. ففي الوقت الذي يلزم الناس فيه بيوتهم نهارا خلالشهر أغسطس أو (آب اللهاب) مثلما يسميه العراقيون فإن ليله وبتعبير العراقيين «جلاب» بمعنى بارد.

«لعبة المحيبس» العراقية.. قمار شرعي يعود إلى رمضان بغداد

 

ولأن رمضان هذا العام صادف شهر أغسطس فإن الليل وبسبب تقليص ساعات منع التجوال ليلا ليبدأ من الساعة الواحدة ليلا بدلا من الساعة الثانية عشرة، فإن من الكثير من أهالي بغداد يحبون العودة إلى ماضي رمضان الذي يحن إليه الجميع. فإذا كانت المقاهي الشعبية تغلق أبوابها مبكرا في الأيام العادية لصالح مقاهي الإنترنت فإن وصفة شهر رمضان الخاصة لا يمكن تخطيها ممثلة بلعبة «المحيبس» الشهيرة. هذه اللعبة التي تكاد تمثل أحد معالم مدينة بغداد الفولكلورية تجد دائما في هذا الشهر من يتمسك بها ويعيد إحياءها، لا سيما في مناطق باتت مشهورة على صعيد تعاطي هذه اللعبة مثل منطقتي الأعظمية في رصافة بغداد بجانبها الشرقي والكاظمية بكرخ بغداد على جانبها الغربي. والأمر نفسه ينطبق على محلات أخرى تتبادل ممارسة هذه اللعبة في إطار من المنافسة الحامية مثل منطقة الجعيفر في الكرخ ومنطقة باب الشيخ وفضوة عرب في الرصافة.

 

هذه اللعبة التي تمارس مرة واحدة في السنة ومع أنها نوع من «القمار» إلا أنه يكاد يكون قمارا شرعيا، حيث إن رهانه الوحيد هو الحلويات ومن أشهرها لدى العراقيين «الزلابية والبقلاوة». وطبقا لما يقوله الحاج إبراهيم سعدون (78 عاما)، لـ«الشرق الأوسط» فإنه «مارس هذه اللعبة منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي في مناطق الكرخ وبخاصة منطقة الجعيفر وغيرها من مناطق الكرخ المشهورة آنذاك مثل الدوريين والتكارتة». ومع أنه يعترف «بعدم تفوقه في هذه اللعبة لصالح آخرين كانوا معروفين خصوصا في منطقتي الأعظمية والكاظمية، لا سيما جاسم الأسود، إلا أننا كثيرا ما كنا نلعب مع أهالي باب الشيخ وفضوة عرب في منطقتهم يوم ويأتون إلينا في اليوم التالي، حيث نسهر حتى وقت السحور». أما صلاح أبو محمد من أهالي الأعظمية فيقول لـ«الشرق الأوسط» فقال إن «أهالي الأعظمية والكاظمية كانوا بسبب جوارهم، حيث لا يربطهم سوى جسر الأئمة يمارسون هذه اللعبة بكل ندية فيما بينهم بعيدا عن الجانب الطائفي»، منتقدا سعي البعض الآن إلى «ربط لعبة المحيبس بعودة أجواء المحبة والتآلف بين العظماويين والكظماويين» على حد قوله لأنهم من وجهة نظره «لم يكن بينهم شيء لا في الماضي ولا في الحاضر وليسوا مسؤولين عما حصل»، داعيا إلى «إبعاد هذه اللعبة الشعبية الشريفة عن القضايا السياسية».

وتعتمد لعبة المحيبس على الفراسة من قبل من يتولى عملية إخراج «المحبس أو الخاتم» من عشرات الأيدي الممتدة ويعتمد بالمقابل على قوة شخصية من يحمل بيده المحبس، حيث إن البعض لا يستطيع الصمود أمام نظرات من ينزل إلى الملعب وهو يصيح بصوته الجهوري «العب وخوش العب».. ويزيد «هالعظم وهالعظم وكسر هالعظم» وفي حال فشله في الحصول على المحبس حين يخدعه أحد حامليه الوهميين بينما هو بيد حامل آخر فإن الفريق الخصم الذي يعد نفسه منتصرا يصيح بأعلى صوته «بات» وتعني تسجيل نقطة على الخصم.