alt

هل يمكن أن نستمر في الدفاع عن الاستثناء المغربي؟

 

نقل عن مسؤول كبير في الداخلية يبدو أنه أحد المسؤولين عن هندسة الخريطة الانتخابية المقبلة عبر هندسة القوانين الانتخابية : إن قطار الإصلاحات قد مضى سواء صعدت إليه المعارضة ذات العلاقة بالحركة الإسلامية أو لم تصعد، وهو تصريح جاء إثر سجالات سياسية وبرلمانية عرفت مواقف معارضة لبعض مضامين القوانين الانتخابية أو متحفظة على طريقة تدبير الحكومة – الداخلية لملف الإعداد للانتخابات و معبرة عن خيبة الأمل التي خلفتها مشاريع القوانين الانتخابية التي عرضتها الحكومة للمصادقة البرلمانية .

 

تكمن الحمولة الخطيرة لهذا التصريح في النظرة التحكمية الأحادية التي لا تزال مهيمنة في تدبير استحقاقات المرحلة المقبلة على خلاف ما وقع في مسألة تدبير التحضير للإصلاحات الدستورية . إنها حمولة تعبر عن منطق يقول “لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد” ، حمولة مشحونة بمنطق التحكم وليس بمنطق التحول الديمقراطي الذي أعلن عنه في خطاب 9 مارس، والعمل على توفير كافة الضمانات القانونية والتنظيمية التي تضمن نجاح الانتخابات المقبلة واستعادة الثقة للمواطن في مجمل العملية السياسية.

 

الحمولة الخطيرة في هذا التصريح تكمن أنه في زمن يفترض فيه أنه لم تعد فيه “أم وزارات” ، وفي زمن بشر فيه الدستور الجديد بوضع اعتباري للمعارضة ، تطل من جديد بقرنها مؤشرات مقلقة عن الارتكاس نحو الرؤية التحكمية المذكورة التي من علاماتها اعتبار عمل المعارضة “رجسا من عمل الشيطان” وتشكيكا وتوهينا للثقة في مصداقية الانتخابات القادمة.

 

ما يجري في المنطقة العربية من تحولات كبيرة يقدم درسا لهذه الفئة من المسؤولين وخطابهم هذا الذي يؤسس للتراجع المغربي نحو متاهات الإقصاء في زمن تقدم الآخرين في درجات المشاركة والديموقراطية.

المنطقة تتجه اليوم إلى أن تجعل من بعض البلاد التي كانت تعيش أبشع أنواع الحكم الفردي وتسلط الحزب الحاكم واستحقاقات التوريث لابن « السيد الرايس « وابن « الزعيم الملهم « و « الأخ القائد « ، في سباق ضد الساعة وتنافس حقيقي من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية تصغي لصوت الشعب وتوجهات الرأي العام موقع وشأن، وتتبنى مقاربة إدماجية لكل مكونات الطيف السياسي.

 

والأسوأ أنه في البلاد العربية التي كان عدد من مناضل حركاتها وأحزابها على اختلاف توجهاتهم وتياراتهم، عند اللقاء بنظرائهم المغاربة يعبرون عن مشاعر الغبطة من الوضع المتقدم الذي كان عليه المغرب في مجال الحريات بالمقارنة مع ما هم عليه من استبداد واستئصال وانسداد لكل آفاق الإصلاح والتغيير، في هذه البلاد تم قطع أشواط كبيرة في إعادة بناء دولة حديثة وديمقراطية، دولة مبنية على المواطنة والتعددية والتعايش بين مختلف التوجهات السياسية والإيديولوجية والانتماءات العرقية والدينية، بعد أن تبين أن عددا من «الصراعات « والمواجهات العرقية أو الطائفية أو بين العلمانيين والإسلاميين، إنما كانت في كثيرا من جوانبها مصطنعة أو منفوخا فيها، وأن أيادي بعض الأجهزة متورطة فيها إلى النخاع.

 

بل إنه في البلاد العربية التي كانت توجد خلفنا في الحريات والتعددية وفي التحكم والبلطجة الانتخابية، جمعيات تأسيسية لبناء توافقات تاريخية هي التي ستبنى عليها الدولة العربية الديمقراطية المعاصرة، واستعداد لانتخابات وضعت لها كل الضمانات القانونية من إشراف قضائي وإجراءات تشجيعية لضمان مشاركة المواطن وقطع الطريق على كل الذي عاثوا في الانتخابات فسادا.

في تلك البلاد حرص على إتقان المرحلة التأسيسية وتوفير شروط نجاحها، وضمان انتقال آمن إلى مرحلة البناء الديمقراطي.

 

هل يمكن أن نستمر اليوم في الدفاع عن أطروحة الاستثناء المغربي؟ هل يمكن اليوم أن نزعم أن مناضلي الدول العربية التي أنجزت ثورتها في كل من تونس ومصر وليبيا سيستمرون في التعبير عن شعورهم بالغبطة تجاه « الاستثناء المغربي»؟

 

بكل صراحة لقد فاجأ المغرب من جديد حتى بعد نجاح بعض الثورات العربية عددا من هؤلاء المناضلين وغيرهم من المراقبين ب « استثنائيته « في طريقة تعاملهم مع الحراك العربي والحراك الشبابي المغربي حين أطلق مبادرة الإصلاح الدستوري وما ترتب عنها من استحقاقات في الإصلاح السياسي . تواصل هذا الاستثناء في فتح تشاور واسع من أجل صياغة وثيقة دستورية تعكس طموحات كل المغاربة، واستمعت اللجنة لأكثر من 100 منظمة حزبية ونقابية وجمعوية ومدنية ، بل ذهب الأمر إلى حدود طلب الاستماع للحركات الشبابية التي كانت تتظاهر في الشارع وتطالب بإسقاط الفساد والحكومة والبرلمان بل أحيانا بسقوط النظام . لم تقل الداخلية في ذلك الوقت ولم يكن تدبير الدولة للمرحلة مبنيا على مقولة :”إن القطار السريع للإصلاح قد مضى”.

 

لتهنأ الداخلية ب “قطارها السريع”، ولتركب فيه من تشاء، ولتنزل منه من تشاء. المهم ليس أن تركب فيه المعارضة أو تنزل في محطة من محطات سفره المحاط بالتحديات والمخاطر. المهم أن يثق الشعب المغربي بأنه قطار موصل إلى المحطة. أن يثق بأنه آمن وبأن قطاع الطرق لن يصرفوه عن وجهته.

 

ما نخشاه أن تسبقنا قطارات دول عربية إلى محطة الوصول ويظل قطارنا تائها في دروب ومتاهات عقليات التحكم والاستبداد الناعم الذي أطل بقرنه بعد أن توهم أولئك القطاع أننا اجتزنا مناطق الاضطرابات والعواصف.

 

محمد يتيم