بدأ «موسم» انهيارات المباني الآيلة للسقوط مجددا في فاس العتيقة. فقد عاش سكان حي البليدة صباح يوم الأحد المنصرم حالة من الهلع نتيجة انهيارات وقعت في «مبنى» عبارة عن
«معمل» لـ«الخياطة»، كان عبارة عن ثلاثة طوابق. وبالرغم من أن حادث الانهيار لم يخلف خسائر في الأرواح بسبب «خروج» العمال في «عطلة»، فإنه أعاد مشكل المباني الآيلة للسقوط في المدينة العتيقة وأحزمة «البؤس» المحيطة بها، إلى الواجهة. ورجحت المصادر أن تكون مخلفات حريق شب داخل هذه «الورشة» هي التي أدت إلى انهيار المبنى، وإلحاق خسائر ببعض المباني المجاورة.
وتعيش «وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس»، المكلفة رسميا بإنقاذ هذه المباني الآيلة للسقوط في فاس العتيقة من «عجز» مالي كبير. ويضطر موظفوها إلى خوض احتجاجات للمطالبة بتسديد مستحقات تعود إلى الفترة ما بين 1991 / 2002. ويطالبون، في الوقت ذاته، بتفعيل مبادرة المغادرة الطوعية، قبل إعلان الوكالة «إفلاسها». وتقدم وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس على أنها شركة مجهولة الاسم أسستها الدولة لإنجاز وتنفيذ برامج إنقاذ مدينة فاس، ويترأس مجلس إدارتها وزير الداخلية. وإلى جانب إنجاز مشاريع لحسابها الخاص، فقد كلفت أيضا بالإشراف على إنجاز مشاريع إما لحساب الدولة أو الجماعات.
وكانت السلطات قد أنشأت هذه الوكالة في بداية تسعينيات القرن الماضي، لكن دون أن ترصد لها الإمكانيات المالية اللازمة، يقول تقرير سابق صادر عن مستخدميها. ومن أجل تغطية نفقات ميزانية التسيير تم تجهيز وبيع قطـع أرضية وضعت رهن إشارتها، ولم يجنبها ذلك عجزا ماليا بدأت تشهده منذ سنة 1999، تدخلت على إثره وزارة الداخلية لإعادة التوازن المالي للوكالة سنة 2001، برصد مبلغ 30 مليون درهم للرفع من رأسمالها. وبرمج هذا المبلغ لتسديد ديون المقاولات المكلفة بأشغال تجزئتين تابعتين لها (تجزئة الرياض وعين الشقف)، وتسريح عمال كانوا يشتغلون في أوراش مختلفة بالمدينة العتيقة.
وتقرر في المجالس الإدارية السابقة، في إطار إعادة هيكلة الوكالة، الاهتمام بمجال رد الاعتبار في فاس العتيقة، بالنظر إلى خبرتها وتجربتها في الميدان، دون التدخل في العمليات العقارية. وفي سنة 2007 تم إبرام اتفاقية شراكة بين الوكالة والمديرية العامة للجماعات المحلية والجماعة الحضرية لفاس، تنص على تقديم دعم مالي للوكالة بمبلغ 7 ملايين درهم على مدى ثلاث سنوات (2007 و2008 و2009). وفي غياب دعم مالي قار، ظلت جل التدخلات لإعادة التوازن المالي للوكالة عبارة عن حلول مؤقتة لم تنجح في إخراجها من «النفق المسدود».
وزاد تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات في سنة 2008 في تقديم صورة «قاتمة» عن أوضاع تدبير شؤون هذه الوكالة، واتهمها بالقصور في أداء المهام المسندة إليها، وتسجيل قضايا تحويلات لا توجه إلى الغايات التي أعدت لها، ووجود عينات من صفقات بوثائق غير قانونية وأخرى شابتها عدة اختلالات، وأخرى تتم فقط بمكالمات هاتفية.
ومن أخطر الملاحظات التي سجلها هذا التقرير اعتباره أن الدعامات الخشبية، التي كانت في البداية عبارة عن حلول مؤقتة للبنايات المهددة بالانهيار فيما أصبحت عبارة عن حلول شبه دائمة، تشكل خطرا على الساكنة بسبب التلاشي المحدق بهذه الأخشاب.
الحسن والنيعام