الكبير الداديسي
أصبح من العادي أن نسمع كل يوم عن إفلاس صحف عمرت سنينا طويلة وكان لها صيت واسع في كل أنحاء العالم ولعل آخر هذه الصحف صحيفة المساء الفرنسية (le soir france) الجريدة اليومية التي صدر عددها الأول سنة 1948 وتجاوزت مبيعاتها المليون نسخة ونصف في وسط الخمسينات فهل يكون إفلاس المساء الفرنسية مؤشرا على قرب اختفاء الصحافة الورقية ؟ وهل فعلا ولى زمن الورق ؟؟
لا يتجادل إثنان حول الأهمية التي غذا الإعلام الإليكتروني يحضي بها يوما بعد يوم ، لقد قاومت الصحافة الورقية المذياع والتلفاز والقنوات الفضائية فإذا كانت هذه الاختراعات قد تسبق الصحيفة الورقية للخبر فقد بقيت الصحيفة متخصصة في التحليل والنقد وتقديم وجهات النظر لكن يبدو أن الصحف الورقية قد عجزت عن مقاومة الصحف الإليكترونية ، وفشلت في مسايرة سرعتها وانتشارها ، بل وفي محاولة لحفظ ماء الوجه اضطرت معظم الصحف الورقة إلى إنشاء مواقع إليكتونية خاصة بها. ومع ذلك يتنبأ برنارد بولي صاحب كتاب ( نهاية الصحف مستقبل الإعلام ) أن الصحف الورقية ستختفي نهائيا بعدة حوالي عقد من الزمن ، ونحن نرى أن هذا تفاؤل كبير لأننا مقتنعون أن الصحف الورقية عندنا تحتضر ولن تعمر عقدا من الزمن بل منها من فارقته الحياة نهائيا وأصبح وجودها مثل عدمه
ترى ما هي الأسباب الذي جعلت الصحف الورقية تنهار بهده السرعة أمام هذا المولود الجديد؟ ولماذا غذت عاجز عن مقاومة هذا التيار الجارف من الصحف الإليكترونية ؟
على الرغم من كون الدولة المغربية لم تعترف بعد بالصحافة الإليكترونية ، وتعتبرها صحافة افتراضية فقط، ما دامت لم تصادق بعد على أي قانون ينظم هذه الصحافة . فإن الصحافة الإليكترونية أصبحت واقعا معاشا ووجودها لم يعد في حاجة لقانون يتبث وجوده ، وربما قد نحتاج في سنوات قليلة لقانون يتبث وجود الصحافة الورقية التي ما تنفك الدولة تقدم لها دعما كبيرا ، وهي في ذلك كمن يسعف ميتا .
انتصار الصحافة الإليكترونية له ما يبرره ويسوغه ، فهي صحافة العصر وصحافة المستقبل يمكن قراءتها بالمجان في أي وقت وفي أي مكان بل دون مغادرة البيت أو المكتب ، ودون اشتراك ، ففي الوقت الذي كان فيه القارئ يتوجه لمحل بيع الجرائد ليشتري صحيفة أو ينتظر ساعي البريد ليوصله بجريدة أدى اشتراكه فيها مسبقا لقراءة خبر غدا باستطاعة القارئ الإبحار والسباحة في عوالم لا حدود لها كما أن الصحافة الإليكترونية تقدم خدمة متنوعة لونا ومادة تختلط فيها الصورة بالحركة بالتفاعل ، فإذا كان قارئ الصحيفة الورقية مُستقبِلا فقط فإن قارئ الصحيفة الإليكترونية فاعل ومتفاعل يمكنه التعليق مباشرة على الخبر كما يمكنه تلقي تعليقات لآخرين على تعليقه ….
وإذا أضيف لذلك تكاليف الصحف الورقية كضرورة الحصول على مقر وشراء الورق والتعامل مع المطابع وأداء أجور الموظفين والصحافيين… سيعرف القارئ بعض أسباب استحالة استمرار الصحف الورقية في الوقت الذي تتوالد فيه الصحف الإليكترونية دون أن يكون لمعظمها مقرات ولا موظفين بل ولا صحافيين معتمدين . ومسألة الأرشيف وحدها كافية لنقول أن الصحافة الورقية قد ماتت إكلينيكيا
كما أن متابعة الأحداث في وقت حدوثها أكثر إتاحة في الصحف الإليكترونية ، لقدرتها على نقل القارئ مباشرة لعين المكان بالصوت والصورة في الوقت الذي تكون الصحيفة الورقية مضطرة لانتظار 24 ساعة لطبع الخبر وقد تكون أحداث أخرى قد تولدت عنه ، وبهذا تكون الصحف الورقية قد ضيعت على نفسها السبق الصحفي الذي ظل سنينا أحد مؤشرات نجاح الصحيفة والجريدة .
إن الصحافة الورقية تقترب يوميا من خط الوصول وهي تكاد اليوم تقتصر على جيل بعينه . ففي الوقت الذي يموت فيه قارئ ورقي يولد العشرات من القراء الإليكترونيين وقريبا جدا ستسخر الأجيال الصاعدة من أجيال كانوا يتسقون أخبارهم من صحف ورقية . بل قد تختفي في يوما ما الكتابة الورقية ، وقد نحكي لحفدتنا قصصا كنا نُضرب فيها لتعليم الخط ، ما دامت الأجيال القادمة ربما لن تحتاج القلم لتدوين معلوماتها .