الجزائريون حفظوا الدرس وتجربة انتخابات 1991 التي كانت ستفوز بها الجبهة
الإسلامية للإنقاذ،قبل إلغائها،لن تتكرر.هذا ما صرح به رئيس الوزراء الجزائري
الذي يتزعم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى في مؤتمر صحفي عقده يوم
السبت الماضي حسب France24 .فإذا كان هذا التصريح يذكر بسنوات العنف الأعمى
والتجربة المريرة مع الفوضى والإرهاب، حسب ادعائه، التي عرفتها الجزائر خلال
تسعينات القرن الماضي، فهل يريد به إثارة خوف الجزائريين من التجربة المرتبطة
بالإنقاذ المنحلة التي مرت بها البلاد في الماضي وثني كل من سولت له نفسه
الحلم بالسير بالبلاد نحو التغيير،أم التحذير من السماح لوصول الإسلاميين ككل
إلى الحكم؟
رغم مشاركة الإسلاميين فيما بعد في محاولات الخروج بالبلاد من التوتر الذي
سيطر على هذه التجربة، كمشاركة حركة مجتمع السلم في كل المؤسسات وعلى جميع
المستويات وفي مختلف المراحل، و حركة النهضة وبعدها الإصلاح التي لجأت إلى
المعارضة المؤسساتية تحت مظلة النظام بدل السعي إلى إسقاطه، فإن جبهة الإنقاذ
بقيت حالة شاذة وتم عزلها من قبل الإسلاميين المشاركين في اللعبة الانتخابية
أيضا، حيث من المعلوم أن حركة مجتمع السلم المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين
والمرتبطة بالتحالف الرئاسي منذ تأسيسه سنة 2004،تشارك في الحكومة في الجزائر
منذ عام 1994،وقد انخرطت أيضا في الائتلاف الحكومي الذي تأسس مع مجيء الرئيس
بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، وتحوز الآن على أربعة حقائب وزارية هي التجارة
والسياحة والصيد البحري والأشغال العمومية.
وقد ذهب وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أيضا في نفس الاتجاه مكرسا هذا
التوجس من وصول الإسلاميين إلى السلطة، ضاربا عرض الحائط كل أبجديات
الديمقراطية التي تحترم نفسها وتترك لصناديق الاقتراع سلطة الاختيار، عندما
اعترف في تصريح له حسب ستار تايمز، أن النظام السياسي للجزائر يمنع استعمال
الدين لأغراض انتخابية ،وعندما أنكر وجود أية مخاوف من قبل الجزائر بشأن فوز
أحزاب التيار الإسلامي بالانتخابات في تونس ومصر والمغرب، وذلك تحت أي شكل من
الأشكال، في نفس الوقت الذي قررت فيه الحكومة الجزائرية منع عودة الجبهة
الإسلامية للإنقاذ إلى النشاط السياسي بعد حظرها في عام 1992 من القرن الماضي.
في حين يرى البعض الآخر أن دور الإسلاميين قد حان لتسلم زمام الحكم في
البلاد، وأن الجزائر قد جربت حكم غيرهم، الذين قادوا البلاد إلى مشاكل كثيرة،
واتبعوا سياسة الإقصاء للمعارضة، سواء كانت إسلامية أم لا، من المشاركة
السياسية والإذعان للعسكر والحفاظ على كل ما من شأنه تدعيمه في البلاد من
مساندة للمرتزقة الجناح العسكري الخفي للعسكر،الذي يشهر في وجه من نسي قصة الرئيس
المغتال بوضياف،كل هذا بعدما تحولت نتائج الانتخابات التي جرت في تونس
والمغرب ومصر خلال الأسابيع الأخيرة محط أنظار الجميع وأماني كثير ممن يعتبر
الظرفية فرصة سانحة لتسلم التيار الإسلاميين مقاليد الحكم على غرار الدول
المجاورة.
ويرى الباحثون أن الإصلاحات التي يريد حكام الجزائر تنفيذها الآن بما
فيها المراجعة
الشاملة للدستور، والتي على أساس قوانينها ستجري الانتخابات القادمة، تروم قطع
الطريق أمام أي محاولة لتكرار تجربة جبهة الإنقاذ المنحلة وعودتها إلى
الممارسة السياسية وربح الوقت،مما دفع ببوتفليقة في خطابه لدى افتتاح السنة
القضائية، للرد على الأطراف التي تحمل الأغلبية البرلمانية مسؤولية إفراغ
الإصلاحات من محتواها وتتهمه بمحاولته ربح الوقت من خلال طرحه لمشروع الإصلاح
السياسي ، مضطرا الدفاع عن حزبه حيث قال إنه “لم يجعل من الإصلاحات سجلا
تجاريا سياسيا ولم يجعل الإصلاحات منبرا سياسيا” وأن “كل ما جاء في قوانين
الإصلاح من قيم ومبادئ هي من صميم قناعات الحزب”، معتبرا موقف المعارضة من
الإصلاحات سلبيا ولا يشجع على بناء الديمقراطية.
فهل سيصبح إذن النظام في الجزائر كنظيره في سوريا يزيد عبر تدخلاته من تعقيد
المشكلة وتفاقم الأزمة بدل أن يساهم في حلها. برفضه التسليم بإرادة الشعب وما
يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع وبما لم يعد من الممكن تجاهله، فالشعب
الجزائري نفسه كسائر الشعوب في البلدان العربية واع بواجبه الذي يحتم عليه
محاربة نمط كل نظام أحادي وأمني، وتطلع أبنائه، كما حصل في أكثر من بلد عربي
إلى الحرية لا يختلف عليه اثنان، واستعدادهم واضح لبذل أرواحهم من أجل تأكيد
حضورهم السياسي وحقهم في تملكهم لبلدهم الذي سلب منهم، واستغلالهم للظروف
الإقليمية، على ضوء الأحداث التي سجلت في بعض الدول العربية فرصة لا تعوض،
ووقوفهم في وجه كل من يسعى إلى استنزاف خيرات البلاد في دعم الأطروحة
الانفصالية بالبلدان العربية الشقيقة وتجييش المرتزقة للجوء إليها لرفع بعبعها
في وجه كل معارض أو طامع في تبني الفكر الديمقراطي الحداثي، تحتمه عليهم
حضارتهم العريقة وإيمانهم العميق في أن قوة جيرانهم قوة لهم، وقوة العرب في
وحدتهم ودعمهم لبعضهم البعض ،لا في إضعاف الجار لجاره والمساهمة في تمزيقه.
عماد بنحيون