محمد الحنفي
عندما نرتبط بالصحافة، لا نرتبط بها لأنها تحمل أي شيء؛ بل نرتبط بها؛ لأنها تمدنا بالمعلومات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية، حتى نسترشد بها، فيما نقدم على القيام به في كل مجالات الحياة، وفي جميع مناحيها.
والصحافة التي تحترم نفسها، هي الصحافة التي تقرأ في الميدان، وتتعرف على نوعية المعلومات التي يحتاج إليها القراء، من أجل أن تقدم لهم المعلومات التي هم في حاجة إليها، والتي تجعلهم يحتاجون إلى صحافة جادة، ومسؤولة، تربطهم بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يتحرك باستمرار، ويحفز على المواكبة، والتتبع، يوما بيوم، ولحظة بلحظة، حتى يتسلح القراء بالمعطيات التي تمكنهم من إعادة قراءة الواقع، من أجل التعامل معه، تعاملا يؤدي إلى تطويره، وتطوره، في الاتجاه الذي يخدم مصالح الجماهير الشعبية الكادحة على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.
وإذا كانت الصحافة التي نتعامل معها، تدفعنا إلى الحرص على أن تكون صحافة جادة، فإننا، في نفس الوقت، نربأ بأنفسنا عن التعامل مع الصحافة الفضائحية، التي تتسوق الفضائح، التي يتجنب المغاربة التداول فيها علنا، لتعودهم على الاحترام المتبادل فيما بينهم,
والصحافة الفضائحية، هي التي كانت تسمى، في يوم ما، بصحافة الرصيف، التي يتنزه شرفاء هذا الوطن عن قراءتها، وتداول المعلومات الفضائحية التي تنشرها، حتى لا تتلوث أنفسهم ببلوى تتبع الفضائح، المترتبة عن غياب الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعن الارتقاء بذلك الوعي، إلى مستوى توجيه التعامل النقدي مع الواقع، في تجلياته المختلفة، والسعي إلى الفعل فيه، على عكس ما يسعى إليه منتجو صحافة الفضائح، الذين يستثمرون ثقافة المآسي، التي أصبحت تهيمن على معظم أبناء الشعب المغربي، الذين صاروا يتلهون بالمآسي، التي يقع فيها العديد من الضحايا، دون الالتفات إلى الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي وقفت وراء حدوث تلك المآسي، التي يعتبر القائمون بها، رغم مسؤولياتهم القانونية، والأخلاقية، مجرد ضحايا للاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي يمارسها الحكام في المغرب.
وانطلاقا من هذا التأطير النظري، فإن العديد من الصحف المغربية، اختلط عليها الأمر، فلم تعد تدري:
هل تهتم بالمعلومات، التي تشغل بال غالبية القراء، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؟
أم تهتم بالفضائح، التي يقوم بها ضحايا الاختيارات القائمة، والتي لا تنتج إلا المزيد منهم؟
وعلى الصحافة التي تسمي نفسها: صحافة مستقلة، أن تتريث قبل نشر أي خبر / فضيحة، ما دامت تقدم الخبر / الفضيحة، مجردا من الشروط الموضوعية التي أنتجته، كما أنتجت ضحاياه القائمين به.
ونحن لا نريد من صحافتنا الوطنية "المستقلة"، والتي تؤدي ضرائب استقلاليتها، كما حصل مع أخبار اليوم، وكما يحصل مع المساء، إلا أن تحترم قراءها، بالإمساك عن نشر الأخبار الفضائحية، حتى لا تتلوث صفحاتها، ومن أجل أن تساهم في نظافة فكر، وممارسة القراء، وحتى لا تسقط في تكريس ممارسة صحافة الرصيف.
وإذا كان لا بد من تقديم الخبر / الفضيحة، فإن الأجدى أن يقدم في إطار ممارسة النقد الصحفي البناء، على الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي أنتج الخبر / الفضيحة، والتعامل مع القائمين بإنتاج الفضيحة، لا على أنهم أساءوا إلى المجتمع، وإلى الدين الإسلامي، بل على أنهم ضحايا الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، المعتمدة في بلادنا، والتي تقوم الطبقة الحاكمة على أساسها، بنهب ثروات الشعب المغربي.
فالصحافة إذن، يمكن تصنيفها إلى صنفين:
صنف يحرص على تقديم المعلومات، التي تستجيب لحاجيات القراء، والمتتبعين، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم، حتى وإن كانت هذه المعلومات موجهة، مادامت لا تسيء إلى القراء، والمتتبعين.
وصنف يحرص على تقديم الفضائح، التي لا تعرض إلا في مخافر الشرطة، وأمام المحاكم، مجردة عن السياق الذي ترد فيه، ودون اعتبارها إفرازا لواقع مختل اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لصالح ناهبي ثروات الشعب المغربي، ومن أجل المحافظة على وتيرة عملية النهب، الممارسة على هذا الشعب.
ونحن عندما نطرح موضوع: "صحافة المعلومات وصحافة الفضائح …!!! "، لا نطرحه من أجل التشفي، بقدر ما نطرحه من أجل لفت الانتباه إلى ضرورة التمييز بين هذين الصنفين من الصحافة، ومن أجل أن لا تتحول صحافة المعلومات، إلى صحافة الفضائح، حتى نحافظ على هويتها، التي تحفظ لها مكانتها بين القراء.
فهل تمسك صحافة المعلومات، عن أن تتحول إلى صحافة الفضائح، التي كانت توصف بها صحافة الرصيف.