كلما كثر الحديث عن الفساد وانعكاساته الوخيمة إلا وارتبط الموضوع بالأنظمة التي تعيش على الهامش الديمقراطي وتتخلف عن الركب الحضاري. فهو ذاك المرض المزمن الذي يسكن البلدان المستبدة ويصيبها بالشلل فتبقى عاجزة عن توقيف استشرائه واجتثاث جذوره ويضيع عليها الطاقات والموارد و الكثير من الوقت في البحث عن الحلول وأنصافها والوصفات الجاهزة لعلاج أزماتها المتعاقبة التي تهددها -بين الفينة والأخرى- بالسقوط المدوي .
إن النضال ضد الفساد بأنواعه الكثيرة (المالي والإداري والسياسي والانتخابي….) وأوجهه المتعددة (الرشوة والمحاباة والمحسوبية والتزوير ونهب المال العام….).يعتبر مدخلا للنضال من أجل دولة الحق والمؤسسات وبناء وطن العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة على اعتبار أن النظم التي قضاؤها غير مستقل والسلطات الثلاث فيها غير منفصلة ولا تقول العدالة فيها كلمتها في ما يخص الملفات الثقيلة المتعلقة بالفساد والمفسدين كيفما كانت مكانتهم في المجتمع وتتملص من الالتزامات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات الأممية في ما يخص مكافحة الجريمة الاقتصادية ويغيب عن قوانينها المحلية مبدأ المحاسبة والمساءلة …هي دول استبدادية.
على هدا أساس فقد شكلت ظاهرة الفساد إحدى أهم الملفات الهامة التي تشتغل عليها مجموعة من الهيئات والمنظمات والمؤسسات الوطنية والدولية باعتبارها آفة اجتماعية لها عواقب خطيرة تعبر عليها مجموعة من السلوكيات والممارسات المخالفة للقوانين الإنسانية والأعراف الدولية والمبادئ والقيم الكونية…. فالفساد سبب من أسباب المشاكل الاجتماعية المتراكمة ونتيجة في نفس الوقت لسوء الحكامة وانعدام الشفافية وغياب المصداقية والكفاءة وتدمير النزاهة واستغلال النفوذ والسلطة من اجل تحقيق الربح السريع والاغتناء الفاحش….
فماذا عن علاقة الفساد بالمغرب ؟
تؤكد العديد من المعطيات والدراسات بان المغرب من بين البلدان التي يستشري فيها الفساد بشكل فظيع ويتفشى بالعديد من المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة. فالمغرب الذي صنف في آخر تقرير دولي في المرتبة التاسعة عشرة بعد المائة وفي خانة الدول الاستبدادية يعتبر الفساد فيه قاعدة وليس استثناء ويشكل عائقا أمام أي تقدم ملموس يمكن أن يخرج البلد من براثين التخلف والانحطاط…فيهدد استقراره وتوازن نسيجه الاجتماعي ويعرقل نموه الاقتصادي والتنموي فيكرس تلك الهوة الشاسعة بين فئة المفسدين والمستفيدين من اقتصاد الريع والامتيازات وبين الأغلبية الساحقة من أبناء وبنات الشعب المغربي الذين تنعكس عليهم الظاهرة بشكل سلبي وخاصة فئة الشباب التي تعاني من الإقصاء والتهميش والبطالة والفقر وانسداد الأفق…نتيجة تحكم لوبيات الفساد في التدبير والتسيير والتخطيط وسيطرتها على الإدارة والسياسة والمال والأعمال والأمن…
فحسب بعض التقارير فالكلفة السنوية للفساد في الصفقات العمومية تتجاوز 27 مليار درهم وقيمة الأموال المهربة إلى الخارج تفوق 13 مليار درهم خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2008 و يعتبر المغرب من بين البلدان الست المهربة للمال الغير الشرعي وفق مركز سلامة النظام المالي العالمي .ويعد المغرب من بين الدول التي أصبحت فيه ظاهرة الرشوة حالة مزمنة. أما قضاة المال العام التابعين للمجلس الأعلى للحسابات فقد وقفوا على حجم الاختلاسات التي تتعرض لها الميزانية العامة و سوء التسيير الإداري والتبذير المفرط للاموال العمومية….والتلاعب بالصفقات والتوظيف الغير القانوني والتهرب الضريبي….في العديد من المدن والقرى….كفاس والدار البيضاء وطنجة.
أما تقرير' 50سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025' فقد توصل إلى حقائق صادمة في ما يخص طرق تدبير وصرف الميزانية العامة خلال الخمسين سنة التي تلت حصول المغرب على الاستقلال. وهو ما يؤكد بان الفساد في المغرب ليس وليد اللحظة بل هو نتاج صيرورة تاريخية يتحمل فيها المخزن بكافة تعبيراته المسؤولية الكاملة لأسباب عدة كالتحكم الفوقي لعقليات ملطخة يدها بالجرائم الاقتصادية والسياسية وتكريسها للفساد ليس كممارسات وفقط لنخب هشة وأحزاب مصطنعة وإنما من خلال سياسات لا ديمقراطية ومخططات قطاعية تفتقد إلى العلمية وللرؤية المستقبلية في حين تعامل المخزن مع القوى الوطنية و التقدمية بسياسة العصا والجزرة.وهي القوى التي ناضلت إلى جانب الشعب المغربي بطرقها الخاصة ومن موقعها ضد الفساد والمفسدين لكنها لم تتمكن من تحقيق نتائج في مستوى تطلعات و انتظارات الشباب المغربي. وهي اليوم مدعوة إلى دعم الشباب في معركته ضد الفساد والانخراط المسؤول والفعال في الحركية المجتمعية المناهضة للفساد. وهي مسؤولية تاريخية في لحظة تاريخية دقيقة.
لقد كان الشباب المغربي حاضرا في الكثير من المحطات التاريخية وفي قلب المعارك النضالية التي خاضها بمعية الجماهير وكل القوى التقدمية والديمقراطية المناضلة ضد الاستغلال. فلو استحضرنا –على سبيل المثال-الدور الذي قامت بيه المقاومة في مجابهتها للاستعمار الفرنسي والاسباني فان الشباب كان في طليعتها وخير دليل على دالك الزعيم التاريخي محمد بن عبد الكريم الخطابي .كما ساهم الشباب في الانتفاضات التي عرفها المغرب والتي شكلت تراكمات صبت جميعها في المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية بمعنى أخر محاربة الفساد.
وقد أعاد شباب حركة 20 فبراير ملف الفساد إلى الواجهة فتحركت تلك المياه الراكدة في ما يخص ملفات الفساد التي بقيت إلى عهد قريب منسية برفوف المحاكم والمقرات والمؤسسات والهيآت العاملة في هذا المجال من خلال مطالبتها بإسقاط الفساد والاستبداد باعتبارهما وجهين لعملة واحدة ومحاسبة المفسدين ومساءلتهم .إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن والدي سنحاول جميعا تسليط الضوء عليه هو إلى أي حد استطاعت حركة 20 فبراير أن تعبئ اكبر قدر ممكن من أبناء وبنات الشعب المغربي وقواه الحية حول معركتها ضد الفساد؟
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
فرع فاس