عماد بنحيون
يشترك الإرهابيون والمرتزقة بعد تجنيدهم من طرف أولياء أمورهم، في
إصرارهم على تبني أسلوب العنف مسارا سهلا للوصول إلى أهدافهم المسطرة،
فالتأكيد على هذه المعتقدات لدى أولئك المتعصبين والمناصرين المتشددين
للإرهاب والارتزاق، الذين لا يعيرون المبادئ الإنسانية أو القيم الآدمية أو
الفلسفة الاجتماعية أي قيمة إذا ما تعارضت وأهدافهم،خطابهم الرئيسي، فدهسها
واجب عليهم لتحقيق غايات ولي أمرهم الذي يستمد بدوره سلطته من معرفة الآخرين
باستعداده الدائم لضرب الأخلاق والقيم الإنسانية عرض الحائط، وكتابة التاريخ
دما كلما تعارضت مصالحه الذاتية معها، فالدعوة إلى الحرب والعنف من كليهما
ورقة تشهر في وجه الجميع،كيفما كان شكله أو لونه أو حجمه أو انتماؤه، شيخا كان
أو طفلا أو أما أو أبا، يستغل كل الأوقات والأماكن،لايعترف بالآجال أو
القوانين أو المعاهدات أو الأعراف، متوخيا بذلك إرسال رسائل تستخدم خليطا من
القهر والتهديد والعنف والإرهاب تخدم مصالحه الآنية وتضعها فوق كل
اعتبار،وتجعل من الإرهابيين والمرتزقة وجهان لعملة واحدة.
فبعد أحداث 11 سبتمبر، استمرت عمليات تعقب وتجميد واحتجاز الأموال الموجهة
نحو الأنشطة الإرهابية، فتبين أن للمنظمات غير الرسمية بما فيها المرتزقة
دور أساسي في تمويل الجماعات العاملة في الإرهاب، مستغلة في ذلك المساعدات
الإنسانية الموجهة للاجئين والمختطفين في المخيمات والمعسكرات الخاصة
بالتجنيد. فخير دليل على ذلك، هو ما نبهت إليه أخبار و تقارير تفضح صورا
متعددة لخروقات و فساد مستشري داخل قيادة مرتزقة البوليساريو مثلا وتورطها في
عمليات متعددة تم بموجبها تحويل الإعانات الإنسانية ومصادرة قيمتها المادية
عبر بيعها في أسواق جزائرية و موريتانية واستغلال عائداتها في تحقيق مصالح
أولياء أمورها، كما كان تورطها كذلك في حماية تنظيمات إرهابية قامت باختطاف
الرهائن الغربيين يمثل خيطا رابطا بين المرتزقة والإرهابيين، كما اعتبر
مساعدة المرتزقة ومد نظام القذافي بأفرادها اعترافا ضمنيا بالعلاقة المباشرة
بين الطرفين وترطهما في زرع الإرهاب في نفوس الليبيين شيوخا كانوا أم أطفالا.
ومما يثير التساؤل والاستغراب هو أن الإنسان عبر التاريخ قد اتفق اتفاقا
كونيا على أن أقسى ما يجب الوصول إليه هو الحرب، فوضع قوانين لها وحدد
الانتهاكات والخروقات المرتبطة بها ،هذا الإنسان هو نفسه الذي أخرج اتفاقية
جنيف عام 1949 إلى حيز الوجود،وهو كذلك الذي حارب الجريمة الإنسانية التي
عرفها الباحث *وليم نجيب جورج نصار* في كتابه "*مفهوم الجرائم ضد الانسانية
في القانون الدولي"* بتلك الجرائم التي يرتكبها أفرادٌ من دولةٍ ما ضد أفراد
آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، بشكل منهجي وضمن خُطَّةٍ للاضطهاد والتمييز
في المعاملة بقصد الإضرار المتعمَّد ضد الطرف الآخر، وذلك بمشاركةٍ مع آخرين
لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيِّين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو
الديني أو العِرْقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسبابٍ أخرى من الاختلاف.
وغالبًا ما تُرتكب هذه الأفعال ضمن تعليماتٍ يصدرها القائمون على مُجْرَيَات
السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، ولكن ينفذُها الأفراد. وفي كل الحالات،
يكون الجميع مذنبين، من مُصَدِّرِي التعليمات إلى المُحَرِّضين، إلى
المقْتَرِفين بشكلٍ مباشر، إلى الساكتين عنها على الرغم من علمهم بخطورتها،
وبأنها تمارَس بشكلٍ منهجيٍّ ضد أفراد من جماعة أخرى. وتطورت الملاحقة الدولية
لها، أما حسبما جاء في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، فيصبح الفرد
مذنبًا بجريمة ضد الإنسانية حتى لو اقترف اعتداءً واحدًا أو اعتداءين يُعتبران
من الجرائم التي تنطبق عليها مواصفات الجرائم ضد الإنسانية، كما وردت في نظام
روما، أو أنه كان ذا علاقة بمثل هذه الاعتداءات ضد قلة من المدنيين، على أساس
أن هذه الاعتداءات جرت كجزء من نمطٍ متواصلٍ قائمٍ على سوء النيَّة يقترفه
أشخاصٌ لهم علاقة بالمذنب.
فالارهاب الآن أصبح يتم بطرق بالغة الدقة والتطور مستفيدا من التكنولوجيا
الحديثة بعدما كانت عملياته تنفد وفق طرق تقليدية تخلف ضحايا وخسائر محدودة
في الفئات والمنشآت المستهدفة وأصبح يخلف خسائر جسيمة تكاد تفوق خسائر الحروب
النظامية سواء في الأرواح أو الممتلكات والمنشآت، ويعتبر نمطا من أنماط
التواصل العنيف، أو الإقناع الإكراهي وشكلا من أشكال الحرب النفسية، لا يمكن
أن ينمو إلا تحت مضلة الارتزاق،التي تمنحه كل وسائل الانتشار والدعم وزرع
الخوف،ليحقق المصالح الذاتية لأقلية همها الوحيد، وقد جعل نفسه بسبب دمويته
التي تحصد اليابس والأخضر، محط اهتمام المنتظم الدولي خلال العقد الأخير،مما
دفع كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لأول مرة للموافقة على استراتيجية
عالمية لتنسيق جهودها لمكافحته،بعدما تصاعدت أسهمه وشكلت هاجسا بالنسبة للحكام
كما الشعوب ومحورا مهما في خطاب المجتمع الدولي بدون استثناء.