عماد بنحيون
تتقاسم معظم الشعوب النامية رغبتها في الخروج من أزمة التخلف وتوفير تنشئة
اجتماعية جديدة لأفرادها تقوم على أساس علمي،والقدرة على توفير أداة فعالة
تنبني مقوماتها على الابتكار والتجديد اللذان من شأنهما أن يساهم التعميق
فيهما من فهم أفضل للأوضاع القائمة بهذه الشعوب، فوضع الفرضيات والنظريات
الذي يقتضيه البحث الأكاديمي والمجتمعي في هذا الشأن،يجب أن ينشأ في الوسط
الثقافي للبيئة المحلية التي يمثلها المجتمع ككل والأسرة والمدرسة حتى يتكيف
جديا مع معطيات هذا الواقع.
لذا فما من أحد سيشك في كون المدرسة من أهم مؤسسات وأدوات التنشئة الاجتماعية،
وأنها البيئة الأولى بعد الأسرة التي ينشأ فيها وبواسطتها الفرد وتبنى فيه
شخصيته، وتعتبر المجال الحيوي الأمثل لهذه التنشئة والقاعدة الأساسية في
إشباع مختلف
حاجات الطفل المادية منها والمعنوية، بطريقة تساير فيها المعايير
الاجتماعية والقيم
الدينية والأخلاقية،وهي التي تضطلع إلى جانب الأسرة بمهمة تحويل الطفل إلى
مواطن يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها، وتكوين
شخصية الفرد التكوين العلمي والتربوي السليم, وفى تقرير اتجاهاته في حياته
المقبلة وعلاقته في المجتمع.
الاهتمام بالمدرسة إذن، اهتمام بالحاضر والمستقبل، واهتمام بالتنشئة
الاجتماعية للطفل، فالمدرسة مطالبة بالتوفيق بين خصائص الأفراد وصفاتهم
وقدراتهم وميولاتهم وحاجاتهم، وبين المجتمع بما له من مقومات ونظم ومؤسسات
وظروف جغرافية وسياسية واقتصادية آنية ومستقبلية، فهي قادرة إذن على توفير
نسيج معقد من العلاقات الخاصة للطفل الذي يمثل نواة المجتمع ومستقبله، تسعى من
خلاله أخذ المجتمع محورا لدراسة التربية والتعلمات داخلها، وتجعل من البناء
الاجتماعي عملية أساسية لها،فالمجتمع بالنسبة إليها يجب أن يكون مصدر إلهام
للأهداف، وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد
والفلسفة وعلم الحياة ، علوما على اختلاف أنواعها تشكل وسائل تستطيع بواسطتها
الوصول إلى فهم جوانبها المختلفة، مما سيمنح المدرسة صفة المؤسسة الاجتماعية
، لما لها أولا من أثر فعال في مختلف جوانب الطفل النفسية، الاجتماعية،
والأخلاقية، والسلوكية،وثانيا نظرا لعملها الثنائي الذي يشكل الفرد والمجتمع
معا طرفان أساسيان له، الشيء الذي يحتم عليها مراعاة ظروفهما وحاجاتهما
والطموح إلى تحقيق رغباتهما وتلبية مطالبهما في الوقت نفسه.
توظيف المدرسة إذن لخدمة الحياة الاجتماعية وتنشئة الأفراد يفرض على الشعوب حث
فعالياتهم على دراسة ثقافة مجتمعهم حتى يدركوا ذلك الارتباط العضوي بين ما
يعلمونه للناشئين وبين ثقافة مجتمعهم، فمن الخطأ أن يتم نسخ مدارس نموذجية
نسخا حرفيا وفي قوالب منعزلة عن المواضيع والمشاكل التي يفرضها واقع المجتمع.
فالاطلاع ودراسة حركة التغير الاجتماعي ومساراته ومطالب المجتمع المختلفة
لنظمه الاجتماعية سواء من القوى البشرية أوالتنظيمات الإدارية والقانونية أو
من المستوى التكنولوجي اللازم لها، مطلوب حتى تتمكن المدرسة من تلبية حاجاته
وتحقيق مطالبه والوصول إلى أهدافه .
هذا سيقودنا إلى التساؤل هل الطموح إلى الوصول إلى مدرسة توفر تنشئة اجتماعية
محلية ومطلوبة ومرغوبة ستجعل اهتمامات مدرستنا ومواضيعها مختلفة عن نظيرتها في
المجتمعات الأخرى؟ ومن ناحية أخرى هل ستكون مواضيعها هاته محددة ضمن مسائل
يمليها المجتمع فقط؟ لاشك أنه من الناحية النظرية يجب أن يكون الكون وكل مافيه
صفحة دراسة وتأمل من طرفها لكن اهتماماتها ستمليها عليها ظروفها ومعتقداتها
والأوضاع الاجتماعية التي يعيشها محيطها. فالمدرسة الغربية مثلا نجدها تهتم
بدراسة المشاكل التي فرضتها عليها أوضاع المجتمع الرأسمالي أو الديانة
المسيحية أو الأوضاع السياسية السائدة في المجتمع وعوامل تنشئته. وتغفل كليا
عن المشاكل أو الأطروحات الهامة التي تواجه المجتمعات الإسلامية أو المجتمعات
المختلفة عنها.فالمفروض إذن أن يكون للمؤثرات المجتمعية ومعايير التنشئة
الاجتماعية المطلوبة نصيب هام في توجيه وترشيد المدرسة في أي مجتمع من
المجتمعات حتى نحصل على مدرسة وفرد يعزفا مقطوعة موسيقية تستجيب وتتجاوب مع
المؤثرات المجتمعية المحيطة بها.