عندما أصدرت المحكمة الابتدائية، في يونيو الماضي2011 ،حكما بسنة حبس نافذة وألف درهم غرامة مالية على مدير نشر جريدة (المساء) رشيد نيني مقررة مؤاخذة صاحب عمود” شوف تشوف ” بما نسب إليه دون اعتبار حالة العود ، فكرت في كل الاحتمالات ورتبت كل الفرضيات ، إلا أن يكون محامي الضحية لحظتئذ هو وزير للعدل والحريات الآن هو ما لم تطأه تواطؤاتي ولم تستشرفه معظم احتمالاتي .
فكرت وتأملت كثيرا هذه المفارقة العجيبة والغريبة وأنا أضع رأسي فوق وسادتي واستسلم لغفوات متقطعة.إحداها كانت حاسمة. والحقيقة أنني أستطيع أن أجزم وبكل ما أوتيت من سلطة أن اعتقال صحفي من هذا الحجم هو ظلم كبير بل هو الظلم بعينه ، لذلك، لم أعد أكترث بكل ردود الفعل التي صدرت أو ستصدر منددة أو لتشجب ، والتي ستأخذ فيما بعد أبعادا متشعبة ، تراوحت في تصريفها إعلاميا بين الرسمي والشعبي الحقوقي والمدني تحدت مساحة الوطن .
لقد كنت طوال المدة التي راجت فيها قضية الصحفي المغربي رشيد نيني أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أستحضر مقولة من التراث الفرنسي مفادها ” عندما نريد قتل كلب نتهمه بالسعار ” وكان السعار بالنسبة لي هو عمود” شوف تشوف” والكلب المسعور هو رشيد نيني وصناع التهمة وتبريرها على أرض الواقع هو النظام السياسي بالبلد. وأية مطابقة في التسميات هي من مكر القدر وليس للكاتب نية الإساءة.
كانت أخبار تأجيل النظر في ملف مدير نشر يومية (المساء) رشيد نيني إلى آجال محددة تبدو مثل طريق سيار له بداية ونهاية ولن يتوقف في المحطات الصغرى إلا كصوت عابر. حتى كانت آخر جلسة حين قضت المحكمة بإطلاق سراحه الخميس المقبل وكنت قرأت رسالة سربها أحد الدهاة تفيد أن الدولة المغربية تسلمت مكتوبا من البانتاغون يشدد على ضرورة المحاكمة العادلة لرشيد نيني على ضوء تقليله من شأن الإرهاب. بل وذهابه بعيدا الى حدود نفيه. ولم تكن المحاكمة العادلة سوى السجن حتى آخر دقيقة . قرارات التأجيل التي كانت تاتي إما بطلب من دفاع الصحفي – المتابع في إطار القانون الجنائي ب”تحقير مقرر قضائي ومحاولة التأثير على القضاء، والتبليغ بوقائع إجرامية غير صحيحة” – أو لاعتبارات تتعلق بالحالة الصحية لأحد أعضاء هذه الهيئة كانت مدروسة بعناية فائقة ونتائجها مؤكدة. السجن ولا شيئ غير عكاشة 265 يوما بالتمام والكمال.
دفاع الصحفي لحظتئد وزير العدل والحريات اليوم ، ظل يؤكد على مدار الوقت توفر كافة الضمانات من أجل تمتيع هذا الأخير بالإفراج المؤقت، فيما ظلت النيابة العامة وبنفس العناد تعتبر أن هذه الضمانات منعدمة في هذا الملف. رغم تقدم دفاع الصحفي بطلب تمتيع رشيد نيني في حالة اعتقال، بالسراح المؤقت. رشيد نيني كان صحفيا منحازا دائما إلى الشعب وضد السلطة، لذلك ارتفع شأنه وتعالت أسهمه لقد ظل على الدوام يوظف قلمه للدفاع عن الجماهير وعن مكتسباتها وكشف هفوات المسؤولين وفضح تجاوزاتهم، ووضع اليد على موطن الخلل وتعرية الفساد والمفسدين، وهو بهذا المعنى يشبه النزاهة الى حد بعيد ، بل هو النزاهة بعينها ، لقد ظل على امتداد عمله في نظر شرائح واسعة من القراء المغاربة والعرب صحفيا جريئا منتقدا للمسؤولين المخطئين ، مؤمنا بأن خطه التحريري من صميم مهنة المتاعب الحقة والجديرة بالحياة. لذلك يجب إطلاق سراحه الخميس المقبل ، دون أدنى تردد
يقول الغروسي المبارك عن مشروع الكتابة عن رشيد نيني “إن الرجل رغم أنه ظاهرة إعلامية وأدبية ومجتمعية إلا أن البحوث الإعلامية والأدبية والدراسات الإجتماعية لم تهتم به إلا لماما.. ويأتي الكتاب كمبادرة أولية لتعميق البحث في الظاهرة ليس فقط لفهم نيني بل لفهم المجتمع الذي تجاوب معه.”
ففي الكتاب حاول الغروسي فهم العقل المغربي العام من خلال الاشتغال على أوليات الكتابة النينية”. وخلص أن ميزة نيني أنه يكتب للمغاربة دون غيرهم، عبر انتقال لغوي ومعنوي بين العبارة الدارجة والتعبير العربي الفصيح… ويقف الكتاب على أوجه موضوعاتية ساهمت في نجاح العمود من خلال جعله مجالا لعرض مشاكل الشرائح التي تصل إلى التعبير عن مطالبها حيث يصف الكاتب رشيد نيني بـ”نقيب من لانقابة” وكذا “تمريغه وجوه خصومه في التراب خالقا لجمهوره متعة مشاهدة مباراة ملاكم يضرب بالضربة القاضية”.
عندما قرأت عمود” شوف تشوف ” الأول بعد يومين من خروجه من المعتقل أو هكذا خيل إلي ، تأكدت أن الكتابة في دمه وفي عروقه تنبض بالحياة ، وأن سنة من السجن في عكاشة لم تستطع كبح جماح هذه القوة العظيمة المندغمة في كيانه ، و حدثت نفسي على شاكلة مالك الحزين “ياك قلتهاليكم” لقد جاء العمود كعادته سهما داميا سدده القوس إلى صدر التناقض الأعظم . كانت أقوى عبارات العمود تصدح مؤلبة : كنت تقول ياسيادة المحامي وأنت تخاطب وزير العدل السيد محمد الطيب الناصري أن الملف مكتمل يا سيادة الوزير ويتوفر على كامل الضمانات لإطلاق سراح موكلي ، وكنت ترى أن ما على الوزير إلا أن يقبل بذلك ، وكان ذلك متطابقا مع موقفك المبدئي من الإرهاب الذي رفضت قانونه في كل المحافل بصوت واضح لاغبار عنه ، وبعزم لا يقبل الجدل . وأفصحت لنا بجرأة عن ملابسات كل الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب منذ2003 إلى موقعة اركانة ، ها أنت الوزير الآن قد قبلت ويقنت أن كل الضمانات كافية لكنني لازلت بعكاشة يا مصطفى ..فلماذا خذلتني ؟
لقد قال “مصطفى الرميد”، محامي رشيد نيني سابقا وزير العدل والحريات المغربي ، لاحقا وأحد قادة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية البارزين في شبه مرافعة ” إن المشكلة لا تكمن في الإرهاب ولا قانون الإرهاب في حد ذاته، الذي أقره المغرب قبل سنوات، وإنما في الحملات الأمنية التي شابتها تجاوزات خاصة بعد أحداث 16 ماي الإجرامية في الدار البيضاء. وأضاف “الرميد” والعهدة على الغفوة ” إن قانون الإرهاب مهما كان موقفنا منه ليس هو مصدر المشاكل الحقوقية التي عرفتها بلادنا ” مضيفا أن فتح تحقيق حول تفجيرات الدار البيضاء ليوم 16 مايو 2003، الذي قدمناه زمن المعارضة وفي سياق معين ما زال قائما، وأعتقد والكلام للسيد الوزير أن مطلب المغاربة اليوم هو حل مشاكل البطالة، ومحاربة الفساد، وليس بالضرورة النبش في التاريخ . وختم مرافعته قائلا : سؤال الإرهاب مشروع لكننا اليوم لدينا أولويات، وبالتالي ليس لدينا حاليا وقت للتفكير والجواب عليه” لا أدري مالذي حدث بعد ذلك ، كل ما أتذكره أنني غفوت لحظة ، وأن اللحظة كانت قاسية لدرجة أن العذاب الذي اكتويت به كان أقوى وأشد من اعتقال الصحفي ذاته .
من المحقق أن ما حصل كان حلما ، وأن هذا الحلم جاء كما الواقع معاكسا للمناخ السياسي العام الذي يعيشه المغرب حاليا . لكنه كذلك جاء مرا يعاكس تماما انتظارات الجسم الصحافي المغربي، وكل قوى الإصلاح في البلد التي طالبت منذ سنوات وما تزال…”
عزيز باكوش