في سابقة من نوعها في تاريخ القضاء المغربي، وتزامنا مع حركية الاصلاحات التي يعرفها المغرب مباشرة بعد الخطاب السامي ل 9مارس 2011، ثم ترؤس حزب وزير العدل الرميد أول حكومة بعد الدستور الجديد، انفرد بهو محكمة تاونات بأول وقفة اجتجاجية للقضاة في تاريخ القضاء المغربي، بعد أن نفد عدد من قضاة المحكمة الابتدائية بدعوة وتأطير من نادي قضاة المغرب وققة احتجاجية ضد ما وصفوه ب"الإهانة" التي تعرض لها قضاة تاونات ومعهم كل السلطة القضائية بالمغرب يوم الأربعاء 29/02/2012. وحسب مصادر مطلعة، أكدت أن سبب هذه الوقفة الاحتجاجية يعود بالأساس إلى أنه عندما كانت إحدى الهيئات القضائية على وشك الدخول إلى قاعة الجلسات، أقدم أحد المحامين السيد "عبد العزيز العلمي" على التلفظ بألفاظ نابية بصوت مسموع في حق أحد السادة القضاة " أحمد المنصوري" على خلفية إصداره لأحد الأحكام التي لم ترق للمعني بالأمر. مبرزة من عين أن المحامي المذكور تعمد التلفظ بألفاظ نابية ومخلة بالحياء وبصوت عال على مرأى ومسمع من الحضور وكذا من الهيأة القضائية.
ويذكر أن هذه الوقفة الاحتجاجية، تعد أول وقفة يقوم بها قضاة المملكة في تاريخ القضاء المغربي،بالمحكمة التي عرفت انطلاق نادي قضاة المغرب من خلال إقدام مجموعة من القضاة بتاريخ 15/03/2011 على تأسيس أول صفحة لقضاة المغرب عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير الفيس بوك . والجديد الذي حمله هذا الحدث هو رد فعل القضاة الذين خرجوا لأول مرة عن صمتهم ونفذوا أول شكل احتجاجي جراء ما وصفوه ب"الاعتداء السافر" الذي مس بهيبة جهاز القضاء واستقلاليته.
وفي اتصال هاتفي أجرته الجريدة برئيس نادي قضاة المغرب السيد ياسين مخلي، أكد من خلاله، أن المحامي المعني تلفظ بتصريحات مشينة خجل من ذكرها، موضحا أن الوقفة التضامنية أتت للتنديد الواجب للسلطة القضائية بهذا "السلوك المنعزل الماس بهبة القضاء والجسم القضائي، معتبرا هذا التضامن فرض عين" ، مطالبا باتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة لإنصاف القاضي أحمد المنصوري الذي تعرض للإهانة،من طرف المحامي عبد العزيز العلمي.
هذا وقد عقد المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بفاس اجتماعا طارئا الخميس فاتح مارس مساء و الذي خصص لمناقشة الاهانة التي تعرض لها قضاة المحكمة الابتدائية بتاونات وقد اسفر الاجتماع على اتخاد العديد من الإجراءات، منها تنديده و استنكاره و رفضه للاهانة المرتكبة من طرف المحامي عبد العزيز العلمي المحامي بتاونات في حق القاضي احمد المنصوري معتبرا مثل هذه الاهانة هي إهانة و تحقير لجميع رجال السلطة القضائية بالمملكة المغربية، معلنا تضامنهم المطلق و اللامشروط مع زميلهم الاستاذ المنصوري احمد و بهذه المناسبة يدعو كافة قضاة الدائرة القضائية بفاس الى جعل يوم الاثنين 5/03/2012 على الساعة الثالثة كيوم زيارة تضامنية معه بمقر عمله، مطالبا نقابة المحامين بفاس و التي "نكن لها كامل الاحترام و التقدير لما تبذله من مجهودات لمساعدة القضاة في اداء مهمتهم و لغيرتهم على كرامة القاضي التي هي من كرامتهم بان تتخد الاجراءات اللازمة في حق المحامي المذكور قصد وضع حد لمثل هذه التصرفات التي من شانها التاثير على العلاقة المتينة و التعاون المتبادل بين جميع الفاعلين، كما يطالب النيابة العامة بتحمل مسؤوليتها و ذلك بتحريك المتابعة في حق المحامي المذكور نظرا لخطورة الفعل المرتكب اتجاه السلطة القضائية و في حالة عدم القيام بذلك في اقرب الاجال فان المكتب الجهوي للدائرة القضائية بفاس سيضطر الى اتخاذ مواقف جادة سنعلن عنها في اية لحظة."
و اعتبر أحد القضاة هذه الوقفة الاحتجاجية بمثابة حدث هام في تاريخ القضاء المغربي لحمله دلالات عديدة أهمها كونه وقع في ظل دستور 2011 الذي ضمن لقضاة المملكة ممارسة حقهم في التعبير تماشيا مع مقتضيات المواثيق الدولية، ولم يخف أسفه من أن تحدث وقائع الاعتداءات المتكررة في ظل نفس الدستور الذي اعترف بالقضاء كسلطة مستقلة، بل ونص من خلال الفصل 109 منه على أنه "يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط"، وإذا كان من الممكن تفهم بعض الاعتداءات التي قد يتعرض لها القضاة بمناسبة ممارستهم لمهامهم بالنظر إلى مستوى الوعي المنتشر داخل المجتمع، وسيادة الجهل أحيانا، فإنه من الصعب تفهم هذا التصرف الصادر عن أحد رجالات مهنة المحاماة والتي كانت ولا زالت صنو مهنة القضاء، إذ أن المحامي المذكور يدرك على خلاف عامة الناس أنه لا يمكن الاحتجاج على قرارات السلطة القضائية إلا من خلال الطرق التي خولها القانون، أي بالطعن في هذه القرارات بالاستئناف أو النقض حسب الأحوال، لكن تجاهل المسالك القانونية المتاحة لتقييم الأحكام والرقابة عليها، واللجوء إلى أسلوب يتنافى مع شرف مهنة المحاماة والأدوار الطلائعية التي تقوم بها من أجل مساعدة العدالة، من خلال اللجوء إلى سب الهيأة القضائية المصدرة لحكم لم يحظى بإعجاب المحامي المعني بالأمر يطرح إشكاليات عميقة تتعلق بالأساس بعلاقة مهنة المحاماة بالسلطة القضائية ومدى التزام بعض المحامين بأخلاقيات وشرف المهنة.مبرزا أن حدث الوقفة الاحتجاجية الأولى التي نفذها بنجاح قضاة المحكمة الابتدائية بتاونات بدعوة وتأطير من نادي قضاة المغرب ببهو المحكمة تدفع إلى إبداء مجموعة من الملاحظات، أهمها تتعلق بخصوص مكان الحدث، أي المكان الذي عرف تنظيم أول وقفة احتجاجية لقضاة المغرب في تاريخ القضاء المغربي، وهو المحكمة الابتدائية بتاونات التي لها دلالات عميقة وتاريخية باعتبارها المحكمة التي عرفت انطلاق نادي قضاة المغرب، من خلال إقدام مجموعة من القضاة بتاريخ 15/03/2011 على تأسيس أول صفحة لقضاة المغرب عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير الفيس بوك، في تجربة اعتبرت الأولى وطنيا وعلى الصعيد العربي، وكان من بين أهم أهداف الصفحة الدفاع على كرامة وهيبة القضاء وإحياء التضامن بين السادة القضاة والإسهام في إغناء النقاش حول ورش إصلاح القضاء.والملاحظة الثانية تتعلق بزمن الحدث بتاونات الذي جاء قبيل تاريخ 15/05/2012 وهو التاريخ الذي حدده نادي قضاة المغرب كآخر أجل ممنوح للحكومة للاستجابة لطلبات قضاة المملكة قبل اتخاذ أشكال احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ المغرب.
ومن جانبه أوضح المحامي عبد العزيز العلمي في تصريح للجريدة، أن نقاشا ثنائيا دار بينه وبين زميل له داخل القاعة ولم يستبعد أن يكون القاضي أحمد المنصوري قد سمع عبارات عند دخوله القاعة، مؤكدا أن لا علم له بوجود القاضي الذي لم يلج الجلسة بعد، نافيا أن يكون قد وجه كلاما مشينا له على خلفية حكم صادر ضد موكله، موضحا في هذا الشأن أن منطق الأشياء يفرض عدم سب قاض خصوصا إذا كان سينطق حكما في القضية، مضيفا أن منطوق الحكم صدر بعد الحادث، أي يوح الخميس 23 فبراير 2012 ولم يعلم به إلا يوم الاثنين عبر زميله "ع.غ"، بعد مرور أربعة أيام.
وتجدر الإشارة أن نقابة هيئة المحامين بفاس برئاسة النقيب السيد اعبابو عبد الرحيم، اجتمعت بدورها الخميس01 مارس الجاري بمقرها بمحكمة الاستناف بفاس، وبعد تدارس حيثيات الواقعة قررت خوض وقفة احتجاجية يوم الثلاثاء المقبل بالمحكمة الابتدائية بتاونات ومن المنتظر أن يحظرها قرابة 200 محام.
محمد بنعمر