بقلم ذ. الكبير الداديسي
بعد تسييج مدينة آسفي بمصادر التلوث من كل الجهات : المعامل الكيماوية التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط جنوبا والمطرح العمومي للأزبال شرقا ومعمل الجبص من الناحية الشمالية الشرقية لم يبق للمدينة من متنفس سوى غابة سيدي مساهل شمالا ، ولولا تحرك سكان حي الأندلس وحي السلام الذي اجهض مشروعا لبناء معمل للعلف قرب هذه الغابة لأحكم التلوث قبضته على المدينة من كل الجهات …
هكذا تبقي غابة سيدي مساهل المترامية الأطراف بأشجار الكاليبتوس رئة المدينة ومتنفس سكانها خارج المدار الحضري يقصدها الناس بمختلف شرائحهم وأعمارهم طيلة فصل الربيع للاستجمام .. وقد عرفت هذه الغابة هذه السنة ترميما استحسنه كل زائريها إذ أحيطت بسياج من الخشب يحميها من الحيوانات والمواشي ويمنع دخول السيارات والشاحنات إليها ، كما أحيطت الغابة بطريق سالك وأن كان غير معبد خصصت على جنباته وعلى مدار الغابة مواقف للسيارات .. وزينت الغابة من الداخل بكراسي خشبية يستغلها الزوار للجلوس وموائد محاطة بكراسي تستغل للأكل ..
تعرف هذه الغابة نهاية كل أسبوع أفواج كبيرة من الزوار ،قد تجعل الغريب يتعجب من هذا التعايش والاختلاف الذي يميز المغرب : ففي الوقت الذي تنتشر في الغابة مجموعات مشكلة من الشبان يغنون يعزفون على آلات وثرية ( كمان / عود / أوتار / كنبري )أو آلات إيقاعية (دربوكة / تعارج / بنادر) مرددين أغاني شعبية أو شرقية ، قد تتخللها بعض الزغاريد .. وأسراب من العذارى تختال بين الأشجار . وعدد من الكرات يتطاير من الأنامل والرؤوس أو يتتحرج بين أرجل الأطفال.. يرى الزائر مجموعات أخرى قد كونت صفوفا لأداء صلاة الظهر أو العصر في تناغم ..وفي جهات أخرى تطوع بعض الشبان لتأطير الأطفال والإشراف على مسابقات ترفيهية أو رياضية ،( في الصورة 2 إحدى الحلقات الترفيهية ) وفي كل اتجاه الأسر تتفنن في الطبخ المغربي حيث خليط من الروائح تلتقطه الأنوف من كل الجهات ، ومناظر الدخان المنبعث من مجامر الشواء تضفي على اللوحة لمسة مغربية ، وقد ساعدت الموائد المنصوبة حديثا في الغابة الكثير من الأسر التي تحتاج لبعض اللوازم على تناول وجباتها في انتظام .. ومن حين لآخر ترى الشبان يزفون قصعة كبيرة من الكسكس أو طاجينا في اتجاه هذه الموائد … كما ساهمت حاويات القمامة الحديدية المنبثة في عدة أمكنة من الغابة في الحفاظ على نظافة المكان مما يعكس تطورا هامة في تعامل المغاربة مع البيئة
لا يسع المرء – وهو يزور هذه الغابة – إلا أن يشيد بالمجهودات المبذولة من أجل زوار هذه الغابة ، وبالتعايش والأمن اللذان ينعم بهما المغرب ، وبحفاظ المغاربة على مظهر متوارث منذ القدم يجد جذوره في ( النزاهة) وخروج العائلات المغربية كل فصل ربيع للحقول أو الوديان أو الغابات القريبة من مدنهم وقراهم وإن كانت نزهات هذه السنة في حاجة ماسة لبعض قطرات الغيت حتى تتمتع الأعين بجمال الطبيعة وألوانها المغرية