شهد مدرج المعهد العالي للإعلام والاتصال بمدينة العرفان بالرباط يوم السب 10 مارس لقاء تواصليا جمع وزارة الاتصال بالمهتمين بالصحافة الإليكترونية ، في محاولة محمودة لتقنين هذا المجال ، اختير له عنوان (يوم دراسي حول الصحافة الإليكترونية بالمغرب ) ، ولكن من تابع اشغال هذا اليوم يكتشف بعض ملامح الواقع الصحافي بالمغرب :
أول ما يلاحظ هو الكم الهائل من الشباب المهتم بمجال الصحافة الإليكترونية من مختلف جهات وأقاليم المملكة ، فقد كانت الجهات المنظمة تنتظر حوالي 400 مهتم كحد أقصى لتفاجأ بأفواج كبيرة عجز مدرج المعهد عن احتوائها ، ففضل بعضهم البقاء في بهو المعهد دون الاهتمام بما يجري داخل المدرج ، مما أثر سلبا على الجوانب التنظيمية سواء في تسجيل الحضور أو تسليم ملفات ووثائق اليوم الدراسي إذا تجاوز عدد الذين لم يتسلموا وثائق اليوم عدد الذين تسلموها ، لدرجة جعلت واحدا من المنظمين( عبدو حقي ) يفقد مداخلته في الحقيبته البلاستيكية التي وزعت على المشاركين ولم يتمكن من استرجاعها رغم النداء المتكرر ، وتقديم وعود بتسليم حقيبة جديدة لكل من أعادها لصاحبها ، مما اضطر هذا المتدخل لارتجال كلمة دون المستوى في ورشة الجوانب القانونية للصحافة الإليكترونية ، والغريب أن مداخلته موجودة بالقرص الذي وزع على المشاركين ضمن وثائق اليوم الدراسي ، فهل فعلا عجزت الجهات المنظمة على توفير قرص طبعت منه المئات ، ويوجد في يد كل الجالسين على المنصة أو أمامها أم هو ارتباك و سوء في التنظيم فقط ….
انطلق اليوم بعد الساعة العاشرة والنصف ، وما إن وصل (الوفد الرسمي ) يتزعمه وزير الاتصال و نور الدين مفتاح ويونس مجاهد … الذين اخترقوا الحضور نحو المنصة ، حتى تحلق عدد كبير من المصورين ككومة نحل حولهم بطريقة غريبة ولمدة طويلة استعصى على الحضور متابعة ما يجري ولم تخف وطأة المصورين إلا بعد احتجاج المتتبعين بالتصفيق والصفير ومع ذلك ظل عدد من المصورين متحلقين ب ((السيد الوزير )) بين من يريد تصويره ومن يريد التقاط صورة معه ، ولعل ذروة الاحتجاج كانت مع احتجاج جمعية المدونين على عدم تخصيص ورشة خاصة بالتدوين ضمن برنامج الورشات المقررة فلم يكن أمام الوزير إلا إعطاء أمره لإضافة ورشة جديدة إلى الورشات المقررة وهي ورشة القضايا القانونية والتنظيمية وورشة النموذج ااقتصادي لمقاولات الصحافة الإكترونية وورشة الكفاءات والتقنيات وورشة أخلاقيات المهنة والملكية الفكرية.
ومن مظاهر الاحتجاج التي عرفتها الجلسة الصباحية احتجاج عدد من الحاضرين على إحدى المتدخلات التي ما أن شرعت في تقديم عرضها باللغة الفرنسية حتى انفجرت إحدى الجهات وتعالت أصوات بإلغاء المداخلة معتبرة مداخلتها احتقارا للغة القرآن ومخالفة للخطاب الرسمي الذي يعتبر اللغة العربية لغة رسمية للبلاد لينفجر نقاش هامشي حول اللغة بين من يتعصب للفرنسية وآخرين للعربية وانضاف من يطالب بالأمازيغية .. ولم تخمد هذه البلبة إلا بعد جهد جهيد .
ألقيت خطب الوفد الرسمي وانسحب أفراده وبدأت الموائد تعد للغذاء موازاة مع فتح باب النقاش لكن عددا من المشاركين الذين استشعروا كثرة المشاركين فضل أخذ مكانه في طاولة الأكل قبل الموعد خوفا على مكانه ، إذ ظل عدد كبير دون مكان على موائد الغذاء مما حدا بالمنظمين إلى تكديس عدد الأفراد على الموائد .
بعد الغذاء بدأت الوفود البعيدة عن مدينة الرباط تنسحب تدريجيا ، ووقع تعديل في عدد الورشات بإضافة ورشات لم تكن مبرمجة ، ومع ذلك ظلت الأعداد كبيرة جدا في الورشات فقد كان المدرج مكتظا عن آخره في ورشة القضايا التنظيمية والقانونية التي حضرتها ، اتضح من خلال بداية الورشة أن ميدان الصحافة الإليكترونية في المغرب ليس بالسهولة التي تعتقد الوزارة. و أن فتحها لباب النقاش وسعيها لتنظيم وتقنين هذه الصحافة لن يكون أمرا سهلا ، وأنه ورش لا يختلف من حيث الأهمية عن الأوراش التي ينتظر حلها شجاعة كبيرة ، فقد تعددت اهتمامات الحاضرين بين من يكتب ون يصمم المواقع ومن يديرها ومن يمولها … مما سيطرح صعوبة في تحديد مفهوم الصحافة الإليكترونية ومن هو الصحافي الاليكتروني أصلا:
هل الصحافة الإليكترونية هي كل ما ينشر عبر العالم الافتراضي من صور ومعلومات وأخبار وتعليقات …..؟
وهل الصحفي الإليكتروني هو الكاتب أو المدون ( وكثير من يملك صفحة على الفيسبوك أو تويتر ..) يعتبر نفسه كاتبا. وقد صادفت من الحاضرين من يحمل صفة كاتب ضمن مجموعة عالمية أو عربية أو جهوية دون أن يكون له أي مستوى تعليمي يؤهله لذلك ،
وهل الصحفي الإليكتروني هو المراسل أو المتعاون أو المحرر أو كاتب الرأي .. ولكل موقع عدد كبير ممن يعتبرهم مراسلين في مختلف المدن وهو لا يعرفهم ولا يراهم إلا عبر عالم افتراضي ..
وهل الصحفي الإليكتروني هو من يملك تكوينا ومعرفة بمجال الإعلاميات تؤهله لتصميم المواقع وتحديثها واللعب بالصور والمؤثرات والألوان ..
وكما اختلف في تحديد مفهوم الصحافة الإليكترونية اختلف أيضا في أي قانون تدرج ضمنه هذه الصحافة بين من يريد قانونا عاما واحد يجمع الصحافة الورقية بالإليكترونية وهو ما يرفضه معظم من يهتم بالصحافة الرقمية ويعتبره خطوة نحو إدخال هذا المولود الجديد تحت جبة عناصر يتحكمون منذ زمان في خيوط اللعبة الصحفية بالمغرب ومن يريد قانون خاص بالصحافة الرقمية وداخل هذا الجناح تتناسل المشاكل والقضايا بشكل لا منتهي من القوانين كقانون الملكية الفكرية ( ومعظم المواقع مملوءة بمواد إعلامية دون استشارة أصحاب هذه المواد أو منقولة عن موقع مشهور مما جعل هذه المواقع نسخة طبق الأصل متشابهة في الصور والعناوين والمقالات …) قانون الشركات التي تصمم المواقع ، قانون المتابعة إذ تحولت عدة مواقع للسب والشتم وكشف خصوصيات الآخرين ، وهل القانون سيكون خاصا بالصحافة أم قانون يتعلق بكل ما هو رقمي من بيع ومعاملات وعلاقات وزواج وفكر وو…
ذهبت إلى الرباط وأنا كلي أمل وتفاؤل باحتمال إيجاد قانون يؤطر اللصحافة الإليكترونية ويقننها ، وعدت بخفي وأنا غارق في بحر من الشك والإشكاليات جعلتني أغادر الورشة دون إكمالها بعدما تبين لي أن معظم أولئك الذين تجشموا عناء السفر إلى الرباط لم يكن يهمهم سوى مطلبان يختزلونهما في الحصول على دعم مالي يتعاونون به على دواير الزمان والحصول على بطاقة صحفي لكي يشهرونها في وجه من يعترض سبيلهم من رجال الأمن أو السلطات المحلية في مدنهم وقراهم . هذا ما عبر لي عنه كثير منهم دون أن يكون هم أغلب تقنين أو تنظيم القطاع .