ذ. الكبير الداديسي
أصبح المغرب في السنوات الأخيرة قبلة لعدد من المخرجين والمصورين من الأفراد والشركات لما يزخر به من مناظر يقل مثيلها في العالم فقد صورت فيه عشرات الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية لمختلف القنوات والشاشات العالمية ، بمعدل يتراوح مابين 20 و30 فيلم في السنة ، وقد اختلفت الآراء في تفسير ذلك بين من يرده لعوامل اقتصادية تتمثل في انخفاض تكلفة الإنتاج ووجود يد عاملة رخيصة وكومبارس بأقل الأثمنة ووجود ديكور متنوع يجمع بين الصحاري والشواطئ والجبال والثلج والنخل والبساتين … ووجود منازل في القرى صالحةا لتصوير أفلام ما قبل التاريخ إذ لا زال القروي المغربي يبني منزله بالصخر والطين ويسقفه بالقصب وجذوع الأشجار كما كان عليه الحال أيام المسيح ويوسف الصديق والفراعنة كما ظهرت في تلك الأفلام التي صورت بعض المراحل التاريخية ولعل هذا ما جعل المغرب يحظى بتصوير الأفلام التاريخية ويكفي ذكر ( gladiator. Alexander. Prince of Persia. Troy .kinkdom of heaven. The mummy … ) وغيرها من الأعمال الضخمة التي كان لها تأثيرها سواء على الاقتصاد المغربي أو السينما المغربية التي أصبحت تفرض نفسها تدريجيا جهويا وقاريا …
فيما ردها آخرون إلى انفتاح المغرب واستقراره وتشجيعه للفن وللتنوع والاختلاف معتبرين قدوم المؤسسات للتصوير في المغرب مكسبا للمغرب وللمغاربة ونوعا من الاستثمار يحسد عليه المغرب وأن الكثير من الدول التي في مستوى المغرب تحلم أن تغير الشركات العالمية وجهتها من المغرب نحوها. وكثيرا ما سمعنا هذا من أفواه المصريين والتونسيين وغيرهم كثير ..
وإذا كان معظم المغاربة لا يعيرون اهتماما لتصوير الأعمال السينمائية التي صُوِرت في مختلف المدن المغربية من الصويرة إلى مراكش فالبيضاء والرباط وسلا وطنجة وانتهاء بوارززات وغيرها من المدن التي صورت فيها أفلام تاريخية وأخرى اجتماعية وأحيانا جنسية منها ما أظهر المغرب في صور إيجابية ومنها ما أظهر المغرب والمغاربة في أقبح صورة ممكنة ..إذ صورت فيه صور متعلقة بالعراق وأفغانستان ليس فيها سوى الخراب والدمار دون الحديث عن الإرهاب والمخدرات والدعارة ..
لكن ظهور فيديوهات قصيرة مؤخرا ببعض الأمكنة الدينية : واختيار بيت الأزياء الإيطالي فورنارينا المتخصص في الملابس الجاهزة والأحذية وحقائب النساء لمدرسة ابن يوسف لتصوير شريط دعائي لمنتجاتها بالقرب من آيات قرآنية منقوشة بمدرسة يعود تاريخها لمئات السنين … واختيار شركة روتانا لتصوير كليب عنائي لأمل حجازي بالقرب من مسجد الحسن الثاني حرك المغاربة أكثر من أي شيء آخر .. واتجهت معظم التعليقات اعتبار التصوير بأماكن دينية أو بالقرب منها مس خطير بثوابت الأمة خاصة في عهدة حكومة محسوبة على الإسلاميين لذلك ذهبت معظم الآراء إلى تحميل المسؤولية لوزارة الأوقاف ووزارة الثقافة باعتبارهما المسؤولين عن المآثر وكان الحدث مناسبة ليعيد المغاربة أسطوانة المؤامرة والتذكير بأن المغرب مستهدف من الخارج واستعراض أمثلة تمس المغرب وسمعة المغاربة كالفيلم الكويتي الكارتوني ولافتات مرشح لانتخابات النمسا وتصريحات بعض الفنانين المشارقة حول المرأة المغربية …
لكن المشاهد لكليب أمل حجازي بالقرب من مسجد الحسن الثاني باعتباره آخر هذه الأعمال يجعل المرء يتساءل ماذا أضاف المسجد للكليب ؟؟ وهل التصوير بالقرب من المسجد فيه مس بالمغرب و احتقار للمغاربة ؟؟ وفيم يختلف تصوير كليب عن تصوير فيلم أو مسلسل …؟؟
في الكليب تظهر أمل حجازي تمشي قرب المسجد تارة وتجلس على مقعد من مقاعد باحة المسجد في ثوان معدودة ، وهي نفس الباحة التي تظل تعج بالزوار من الجنسين في كل لحظة وحين بلباس لا يختلف في شيء عما ظهرت به أمل حجازي في الكليب بل كثيرا ما تحولت باحة المسجد ساحة للقاء العشاق لبعدها عن ضوضاء المدينة وقربها من البحر أمام مرأى الجميع ، مما يجعل مرور المغنية بالقرب من المسجد في بلد كالمغرب أمرا عاديا في نظر آخرين ، خاصة وأن العديد من الأفلام العالمية ظهرت فيها مساجد من مختلف المدن المغربية ، وأن قانون التصوير في المغرب واضح وشفاف ومن شروطه ضرورة التعامل مع شركة مغربية قانونية وعدم المس الثوابت الوطنية والدينية وتقديم السيناريو للجنة متخصصة قبل تسليم الترخيص … وأكيد أن مخرجة كليب أمل حجازي قد مرت من كل هذه المراحل …كما أن شركة روتانا ومخرجة الكليب كان بإمكانها التصوير في أحسن المناظر الطبيعية أو داخل أفخم الاستيديوهات فلماذا لا يكون التصوير بالقرب من المسجد مدروسا لخلق دعاية مجانية للكليب ، وقد فهمت الكثير من الشركات العالمية أن في إثارة مشاعر المسلمين أكبر دعاية ، فمن كان يعرف المجلة التي نشرت صورا الرسول (ص) لولا تحرك المسلمين ومَن مِن المغاربة كان يعرف شركة فورنا رينا الإيطالية قبل التصوير في مدرسة ابن يوسف لذلك من غير المستبعد أن يدخل تصوير هذا الكليب الذي رأى فيه البعض مسا خطيرا بمقدسات المغاربة في هذا الإطار، ورأى فيه آخرون دعاية للكليب خاصة و أن معظم المشاهدين قد لا يعتقدون أن المغنية بالقرب من مسجد في غياب الصومعة وأي مؤشر ديني فكل ما يظهر في الكليب مجموعة أقواس لن يفهم أي غربي أو عربي مرجعيتها لولا الضجة التي أثارها المغاربة ، والضجة التي أثارها المغاربة لن تزيد الكليب إلا شهرة ، وستساهم لا محلة في ارتفاع نسبة مشاهديه ، وهي دعوة بطريقة أخرى للإقبال على الكليب وإن كانت مناظره ومحتواه أقل جمالية وفنية من بعض الكليبات التي لم تحض بهكذا دعاية مجانية …