ما كنت أحسبني أعيش إلى زمن
ذ. الكبير الداديسي
منذ أزيد من عشرين سنة ونحن نشارك في عملية تصحيح أوراق امتحانات الباكالوريا وكل سنة نتداول فيما بيننا بعض الطرائف التي نصادفها بين الفينة والأخرى في بعض الأوراق ، لكننا كنا نسخر في مادة اللغة العربية من بعض الأخطاء في اللغة أو الإملاء أو بعض التعابير الغريبة ، وفي السنوات الأخيرة لم تعد تثيرنا أخطاء اللغة والتعبير بعد دخول أخطاء جديدة لم يكن أي أستاذ يتصور أنه سيصادفها في أوراق الباكالوريا ولتقريب المغاربة من المستوى الذي وصل إليه تعليمنا ، ومعرفة مستوى بعض رجال الغد ، قبل عرض هذه الأمثلة تجب الإشارة إلى أن هذه الأمثلة مجرد عينة قليلة كما أن هذه العينة لا تلغي وجود تلاميذ نوابغ في التعبير والكتابة
من خلال تصحيح أوراق مسلك الآداب ومسلك علوم إنسانية لاحظنا أخطاء كثيرة وتعابير غريبة على مستويات عدة ومن هذه التعابير عجز بعض التلاميذ على معرفة جنس النص المقدم إليهم : فقد ورد في إحدى الإجابات أن النص :(له طابع نقدي قصصي شعري مأخود من القصة القصيرة ) وكتب آخر ( النص عبارة عن مقالة قصصية وقصيدة نقدية ..) كما أن بعض التلاميذ لا يميزون بين عنوان النص ومصدره ، فلم يجد أحد التلاميذ ما يقوله عندما قدم له نص بدون عنوان سوى القول ( لقد اكتشفنا بعد قراءة متمعنة للنص أن العنوان جاء العنوان في مؤخرة النص ) وأشار إلى مصدر النص ، وتلميذ آخر لم يفهم أن النص مأخوذ من سلسلة كتابك فكتب : ( إن النص مأخوذ من كتابه وليس من كتابك ) وفي تعداد بعض كتاب القصة في العالم العربي وردت أسماء لم تخطر لأحد على بال ولعل من أشهر الأسماء السياسية التي جعلها تلامذتنا من القصاصين ما كتبه أحدهم ( من أشهر كتاب القصة القصيرة في العالم العربي نجيب محفوض وياسر عرفات ونيلسون مندلا …) وكتب أخر( ويرى بعض النقاد مثل عمر يا حفيظ ..) وأسماء لنقاد غربيين لا وجود لهم إلا في أذهان كتابها .
ومن التلاميذ من لم يستطع فهم النص المقدم إليه على بساطته فكتب أحد التلاميذ محاولا تحديد شخصيات القصة قائلا : الشخصية الرئيسية هي خال ابن الأخت أما الشخصيات الثانوية فهي الخال الإبن والأخت ) وفي إجابة أخرى على نفس السؤال تفتحت عبقرية أحدهم وهو يقرأ أول جملة في النص هي ( مواسم القرافة تعد من أسعد أيامي البهيجة … باب القبر كما تجذبني شجرة الصبار ..) ليعلق التلميذ كاتبا : ( افتتح الكاتب النص بتذكر حبيبته بهيجة …) وغدا يعدد أوصاف بهيجة وقسماتها وكيف أن الكاتب تعلق بشجر الصبار التي نبتت على قبرها … مع العلم أن النص لا ذكر فيه لفتاة اسمها بهيجة .، وأبدع آخر في دراسة شخصيات القصة قائلا : إن من شخصيات أو القوى الفاعلة منها ما هو رئيسي وثانوي فالشخصيات الرئيسية هي الأدب العربي والقصة القصيرة أما الشخصيات الثانوية فهي الأدب العربي والقصة الطويلة ..) وعند حديث أحدهم عن المنهج النقدي الذي وظفه الكاتب في مقاربة الظاهرة الأدبية كتب : ( المنهج النقدي الذي اعتمده الكاتب هو منهج الإحياء الداعي إلى النهوض بالشعر من الركود إلى الجمود ) ، وتفردت ورقة أحد التلاميذ بتعريف نجيب محفوظ بأنه (مهندس من أعظم طراز يعمل بالمسطرة والبيركار )
وعلى الرغم من كون الأسئلة تتعلق بتحليل النص فمن التلاميذ من استطرد يذكر أشياء لإغناء النقاش فكتب احدهم عن نشأة القصة قائلا : ( كان الكاتب يتفجج في مناظر الطبيعة فنزلت على رأسه القصة القصيرة ثم قصد ساحة جامع الفنا وبدأ يهلهل قصصا رائعة ولم يتوقف عند هذا الحد بل بدأ يجوب الدواوير يقدم سمفونياته القصصية …)
ولما كان سؤال المؤلفات حول شخصية طرزان أحد شخصيات رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ وجدنا عددا من التلاميذ ربما لم يسمعوا قط عن هذه الرواية بدليل أن بعضهم بدأ يتحدث عن قصة طرزان الذي عاش في الغاب إلى جانب القردة
ومن الأدلة التي تبين أن التلاميذ لم يفهموا القصة المقدمة إليهم ما كتبه تلميذ : تتمحور هذه القصة حول استعداد الأسرة للموت بإعداد الفطائر والتمر …)
هذه بعض الأمثلة الغريبة ناهيك عن كتابات بالدارجة وبلغة الشات وعن أوراق فارغة وأخرى فيها دلائل على الاستهتار إذ من التلاميذ من يكتب أي شيء وكيفما وقع ، فمنهم من يطلب ومنهم من يكتب شعرا أو زجلا … كنت أصحح هذه الأوراق وأنا أكاد أنفجر غيضا على المستوى الذي وصله تعليمنا ولعل ما خفف من ضيقي بعض الشيء اكتشاف في الأخير أن هذه الأوراق خاصة بالمرشحين الأحرار بعدما كتبها أحد المرشحين في ورقته ومهما يكن فهذه الإجابات وغيرها تبقى تعبيرا صارخا عما وصل إليه مستوى بعض المترشحين لنيل شهادة الباكالوريا