حول ماذا حاولت اسرائيل اقناع بوتين؟

تسيطر اسرائيل على المتمردين في سورية ولا تتخوف من الفوضى التي هناك. وخلافا للرأي القائل بان اسرائيل تفضل بقاء نظام بشار الاسد القوي والمحافظ، فانها تسعى الى جعل سورية صومال ثانية، وتقسيمها الى مناطق متصارعة على غرار الذي جرى في العراق. إن ما جعلنا نستنتج ذلك هو الاحاديث الجارية في الدوائر المقربة من ليبرمان وزير خارجية اسرائيل، وكذلك تسجيل الحديث الذي جرى بين ليبرمان وبنيامين نتانياهو من جهة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة ثانية خلال الزيارة الاخيرة لبوتين الى اسرائيل. لقد تمكنا من الاطلاع على هذه الوثائق المدونة باللغة العبرية. حيث تسمح هذه الوثيقة ادراك ما الذي تريده اسرائيل وماذا تريد روسيا من الصراع المحتد في سورية.
نتانياهو اقترح على بوتين مساعدة بشار الاسد على التنحي

 قال نتانياهو لبوتين "بامكانكم تعيين خلفا له، ونحن سندعمه. ولكن بشرط ان يقطع علاقاته مع ايران". رد عليه بوتين قائلا ، بانه ليس لديه شخص ليحل محل الاسد. واضاف مستفسرا، هل لديكم من ترشحونه؟. اجاب نتانياهو بالنفي واضاف سوف نفكر بالموضوع ونخبركم.

ويقول دبلوماسي روسي متقاعد رفيع المستوى، اذا اخذنا كلام نتانياهو على حقيقته، فانه ندرك بان اسرائيل ليست ضد بقاء سورية في المدار الروسي، ولكن على ان تقطع علاقاتها مع ايران. والاستنتاج الاخر الاكثر تشاؤما ، هو ان اسرائيل تمسك بيديها بزمام السيطرة على المتمردين في سورية، وبامكانها اجبارهم على القبول بالمرشح الذي يرضيها. ان هذا يجبرنا عل التفكير بتلك القوى التي من وراء الكواليس تقف وراء المتمردين وخلف مسانديهم في قطر والمملكة السعودية والناتو.

ويضيف، انه من غير المعقول ان تقدم اسرائيل هذا المقترح من دون موافقة الولايات المتحدة الامريكية.

ولكن من المحتمل ان هذا كان اختبارا لبوتين، فيما اذا كان سيوافق على التخلي عن الاسد، وايضا طريقة لتبيان من برأيه هو الشخص الذي يعتبره مواليا في دمشق، ويبدو ان الرئيس بوتين ادرك ذلك.

وينسب الى بوتين قوله، نحن لا نتمسك بالاسد، فقبل بداية الانتفاضة كان يزور باريس اكثر من موسكو. وليست لدينا خططا سرية بشأن مستقبل سورية. لقد سألت الرئيس اوباما عن الاهداف الامريكية في سورية، ولماذا لا يرضيهم الاسد، هل لانه يحارب اسرائيل وصديق لايران؟ ويدعم حزب الله؟ ولكن لم احصل على جواب جدي مقنع منه، ولكنه قال يزعجهم استخدام العنف ضد المدنيين. فقلت له ان مستوى العنف مرتبط مباشرة باعمال السعودية وقطر. فهل هدف اسرائيل هو صوملة سورية، بعد صوملة العراق. ولم يعترض نتانياهو على هذا الاستنتاج.

ولقد علق الدبلوماسي الروسي على كلام بوتين كما يلي: لقد تحدث بوتين عن موقف روسيا المعروف بشأن سورية، وانها (روسيا) لا تقف سندا للاسد، ويجب على الشعب السوري ان يقرر مصيره بنفسه. ان تحديد اهداف اسرائيل على انها "صوملة سورية" هي كلمات قاسية، تجيب على السؤال المطروح لاوباما عن النوايا الامريكية في سورية. ومن العجيب ان نتانياهو لم يعارض هذا التقييم، ويبدو انه يطابق وجهة نظره. حيث تتحدث عن هذه المسألة وثائق المحللين الاسرائيليين والامريكيين المحافظين الجدد (Clean Break) وغيرهم.
هديتان من بوتين الى اسرائيل

لقد عبر نتانياهو عن استياء اسرائيل من قيام روسيا بتوريد وسائل الدفاع الجوي الى سورية، لان بمقدور منظومات الدفاع الجوي هذه جعل الاجواء الاسرائيلية في المنطقة الواقعة شمال تل ابيب غير صالحة للتحليق.

ويقال ان الرئيس بوتين، ردا على ذلك ، وعد بعدم توريد منظومات "اس – 300 " الصاروخية الى سورية. كما لاحظ  نتانياهو ان المعلومات عن المجمعات الصاروخية  تتسرب من سورية الى حزب الله . وقد وعد بوتين بالتحقيق في الموضوع ووقف التسريب. "سوف نحذر السوريين من انه اذا لم يتوقفوا، فسوف نرد فورا ، بما في ذلك من خلال  هيئة الامم المتحدة".

وقال الدبلوماسي الروسي، ان هذه التنازلات الجدية لاسرائيل، خلقت انطباعا حسنا لدى الزعيم الاسرائيلي. ولكن يبدو ايضا ان وراء هذه التنازلات، وجود تخوف لدى القيادة الروسية من وقوع منظومات "اس – 300 " بايدي المتمردين المؤيدين للناتو.

ومن جانبه استخدم ليبرمان وزير خارجية اسرائيل هذا اللقاء ليقدم شكوى ضد التلفزيون الروسي. وقال "من مكتب مراسل قناة"روسيا اليوم" في اسرائيل، تبث دعايات مناهضة لاسرائيل، حيث ينظمون لقاءات مع حسن نصرالله زعيم حزب الله. وقال "لقد حاولنا التحدث على انفراد مع مراسلي القناة، الا انهم اشاروا الى تعليمات من موسكو. اننا نرجو منكم التأثير على السياسة التي تتبعها هيئة تحرير القناة وجعلها اكثر واقعية تجاه اسرائيل".

هذه الشكوى تدخل ضمن السياسة الاسرائيلية الرامية الى الضغط على وسائل الاعلام العالمية. فقبل عدة اسابيع حاول سفير اسرائيل لدى الولايات المتحدة الامريكية، التدخل في الشؤون الداخلية لقناة "سي بي اس" التلفزيونية ومنع بث ريبورتاج بوب سايمون حول المسيحيين الفلسطينيين، مما خلق عاصفة من الغضب في الولايات المتحدة. مع الاسف ان الاسرائيليين لم يتعودا على ان  الصحافة ليس بالضرورة ان تكون الى جانب مديحهم دوما.

الاستنتاج الرئيسي من تسجيل المحادثات السرية هو ان القيادة الاسرائيلية لا زالت ملتزمة بمغامراتها وانها مستعدة للمجازفة. مقابل ذلك تنتهج روسيا سياسة تقليدية، تهدف الى دعم الاستقرار العالمي. ويعتقد الاسرائيليون  ان الذي لا يغامر  لن يشرب نخب الفوز.

انهم على استعداد للمجازفة لفترة قصيرة بتنحية الاسد واشعال حرب اهلية في سورية، لكي يحصلوا فيما بعد بدلا من جار شمالي قوي، على جار شمالي متكون من عصابات مسلحة متفرقة، لا تستطيع منع الجيش الاسرائيلي من الوصول الى ايران ، العدو الرئيسي لاسرائيل.  

 المصدر: صحيفة "كمسومولسكايا برافدا"