عبد النبي شراط في حلقته الثانية على فاس نيوز حصريا
في الصراع الدائر بين الاستقلاليين: الكثيرون يسبحون في واد لجي من الأوهام
أياما وليالي فقط تفصل الاستقلاليين والاستقلاليات عن موعدهم الحاسم (22ـ 9ـ2012 ). ولا شك أن هذا التاريخ سيبقى محفورا في ذاكرتهم ،لأنه بالنسبة لهم يوم الحسم في معركة لم يألفوها في تاريخهم الحزبي الطويل ، خاصة أبناء الجيل الجديد ، (ما بعد سنة 1959 وما قبلها بقليل) لأن الكثيرون منهم لا يعرفون شيئا عن تاريخ حزبهم العتيد ، إلا ما يردد عليهم من قبل الجيل السابق ، من أن حزب الاستقلال هو الذي حرر وثيقة المطالبة باستقلال المغرب ، وأن علال الفاسي هو زعيم تحرير المغرب بلا منازع .
وهذه قراءة سريعة في الصراع الدائر حاليا بين جناحين داخل حزب المرحوم علال الفاسي . وكل جناح يدعي أنه هو الأحق بالمشروعية دون سواه ، والذي يتابع ما يكتب وما ينشر يوميا على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك يدرك أن المعركة فعلا قائمة بين هذين الجناحين ، بالإضافة إلى ما يتسرب من أخبار من هنا وهناك للصحف الورقية والمواقع الإلكترونية عامة ، لدرجة أن النقاش يصل أحيانا بين أبناء الحزب الواحد إلى تبادل الشتائم والسباب وشتى أنواع الاتهامات وهو ما كان حاصلا بالضبط خلال عميلة انشطار الحزب الأولى سنة 59 . حيث كان الفريقان حينها فريق علال الفاسي ، وفريق المهدي بن بركة يتبادلان التهم في ما بينهما حول المجازر التي ارتكبت باسم الحزب طيلة الأربع سنوات التي سبقت عملية الانشقاق ، وهي المجازر التي راح ضحيتها المئات من الشخصيات الوطنية البارزة سواء تلك التي كانت تنتمي إلى حزب الشورى والاستقلال أوشخصيات أخرى …
لقد كان حينها حزب الاستقلال يشكل دولة ، داخل الدولة ، فكان يتوفر على سجون خاصة به ، وكان يملك الأسلحة ومعها فرق الموت و كانت بعض قياداته تصدر أحكاما غيابية ضد المخالفين لها في الرأي، فكانت تلك الأحكام تنفذ بسرعة من قبل ميليشيات متخصصة في الاغتيالات والقتل .
لكن الأمور هدأت مباشرة عقب انشطار الحزب إلى شطرين وتزامن ذلك مع إصدار قانون الحريات العامة سنة 58 الذي أقر بأن نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع وهو ما أكده أول دستور للبلاد بعد الاستعمار لاحقا .
الآن يعيد التاريخ نفسه وإن بشكل آخر وأسلوب آخر وطريقة أخرى .
الصراع الآن قائم فقط بين الاستقلاليين ، لكن التمرد هوهو ..لقد تمردت الزعامات السابقة على القيادة التاريخية للحزب فحصل انشطار ، وها هي الآن تعاد نفس القصة ، دون أن يكون هنالك تكافؤا بين من تمرد في السابق وبين من يتمرد الآن .. الحقيقة هناك فرق .
التمرد الحالي يقوده شخص بلا هوية وبلا أهداف ولا طموحات سياسية أو مذهبية أو أيديولوجية واضحة ، والذين يتبعونه إنما يتبعون الهوى ويتعلقون بالأوهام ، وقد أثبتت تجربة هذا الشخص الذي يتمرد الآن على حزب كان له الكثير من الفضل في صعوده ، وإخراجه من القمقم إلى عالم النجومية السياسية والمالية ، أثبتت التجربة أنه شخص غير مؤهل للثقة أصلا .. ذلك أنه ينقلب بسرعة على كل الذين يمدون له أيديهم ، فهو حينما يكون مغلوبا على أمره يستصغر لدرجة الانحناء .. وحينما يجد نفسه قويا لا يتورع أبدا في أن ينقلب على من كان سببا في وصوله لهذه النجومية ، لقد انقلب أول مرة على رئيسه وابن حزبه في الجماعة الحضرية زواغة حيث كان نائبا له ، ونسي أن ذلك الشخص هو من قدم له الكثير من المساعدات المتعددة حينما كان متخفيا وهاربا بعد أحداث سنة 1991 التي دمرت فاس ، كما انقلب أيضا على الزعيم التاريخي لنقابته .. وكال له آلاف التهم ، وهو الآن يصفه في تصريحاته بالمجاهد .. تم وضع بعده شخصا آخر على رأس النقابة ثم ما لبث أن أطاح به بعد أن ذاقه آلاف الإهانات ..
الآن يريد أن ينقلب على الحزب بكامله ، وها هو يكيل التهم تلو الأخرى لقيادات الحزب الحالية وعلى رأسها عباس ، الذي كان إلى عهد قريب لا يطمح حتى للجلوس بجانبه في مؤتمرات الحزب وملتقياته ..
ولقد مارس الكثير من الانبطاح والتملق وكل الوسائل ألأخرى ليتقرب من عباس وكان أحد الذين ساهموا بشكل لافت في تمديد ولاية عباس لفترة ثالثة أمينا عاما للحزب .. وكان لعباس الكثير من الفضل عليه ، وهاهو الآن يرد له الجميل .
أما بالنسبة للذين يتبعونه الآن ويشيدون ب: برنامجه" التغييري " داخل الحزب فأنا ألتمس لهم العذر لسببين :
الأول : أن بعضهم لا يعرفون تاريخه جيدا ،الثاني:أن البعض الآخر مع الأسف الشديد يسايرونه مكرهين لأسباب يعرفونها هم قبل غيرهم..
لقد انتهج المتمرد الجديد داخل حزب الاستقلال ، أسلوبا خطيرا جدا لأجل استمالة الناس ، وتجييشهم حوله . لدرجة أن هناك من لا يستطيع أن يرفض له أمرا.. مهما وكيفما كان هذا الأمر …..
الكثيرون ـ خاصة بالمدينة التي يسيرها الآن ـ كانوا في الماضي القريب لا يستسيغون حتى مجرد ذكر اسمه أمامهم .. لكنه استطاع السيطرة عليهم بكل الوسائل .. هناك من كانت تصله حصته حتى البيت .وهناك من استفاد من غنائم متعددة بطريقة أو بأخرى .. لكن الذي لا يفهمه هؤلاء هو أنهم لا يستطيعون الانقلاب عليه حتى وهو يهينهم الآن أمام الملأ .. كيف؟ كل العطاءات والإكراميات وأنواع الاستفادات يوثقها بالحجة والدليل القاطع ، حتى إذا ما فكر شخص أن يتخلى عنه أو يعارضه حتى في اجتماع معين ، فإنه لا يتورع أن يذكره أمام الملأ بما استفاد وبما أخذ وكم استلم ومتى ، والكيفية التي تمت بها عملية العطاء . فيصبح هذا الشخص الذي فكر في معارضته .. ذليلا وحقيرا أمام العالم .
إن الغاية تبرر الوسيلة أضاف إليها هذا الشخص الكثير من التنقيحات تتناسب مع طموحاته الزائدة .
أنا أشفق جدا على الذين يرون فيه المنقذ .. وأتحسر على طبقة خاصة من المثقفين داخل الحزب الذين لا يرون بديلا سواه .. لكن الدور قد يأتي عليهم لاحقا وقد يشعرون بالأسى ، لكن الوقت سيكون قد مضى .. الآن فقط أمامهم فرصة حقيقية ليضعوا حدا للعبث ..بعد الآن لن يكون بمقدورهم أن يفعلوا شيئا .. حتى الذين استفادوا بإمكانهم أن يستبقوا إعلان الندم على ذلك قبل أن يتم فضحهم من قبله أمام العالم .. إنه لا يتورع أن يفعل شيئا يخدم مصلحته الخاصة والضيقة جدا.
أما بالنسبة للأسطوانة الشروخة التي بات يرددها مؤخرا وفي كل مناسبة حول حرب آل الفاسي فتلك مسخرة أخرى ضمن قائمة مسخراته الكثيرة ..
كان أهل فاس محتاطين منه جدا حينما اعتلى كرسي رئاسة مجلس مدينتهم ، والحقيقة ، وحتى نكون منصفين فإن الفاسيين يكرهون أن يتولى أمرهم غيرهم ، حتى رجال إدارة السلطة الترابية يخلقون لهم المتاعب إذا لم يسايروهم في آرائهم .. لكن الرجل استطاع أن يلمهم حوله ، حيث فتح لهم الباب على مصراعيه ، حتى إنه إذا تناهى إلى علمه أن رجلا من آل الفاسي احتقره في غيبته ، فإنه يسارع إلى زيارته في بيته أو عمله فيسأله شخصيا عن حاجياته وفيما إذا كان يجد عراقيل في المجلس لتنفيذ مشاريعه الاستثمارية .. وفجأة أصبح أهل فاس يدينون له بالولاء .. وهم الآن من يمولون له المشاريع الخيرية وسواها من المؤتمرات .. حتى المطبوعات الانتخابية يحضرونها له في طبعة أنيقة ومرتفعة الثمن دون أن يدفع شيئا .. وأهل فاس هم الذين يساهمون معه بشكل فعال في إدارة صراعه القائم مع حزبه .. وأنا أتساءل ..
كيف يستميل الفاسيين في فاس والدار البيضاء مثلا . ويكيل التهم للفاسيين المتواجدين في الرباط ، حتى أنه اتخذ من الفاسيين عنوانا لحربه القائمة الآن .
إنها متناقضات قد لا ينتبه لها البعض .. لكنها قائمة ، وهي الحقيقة مع الأسف .
قد يتساءل بعض الاستقلاليين من هو الذي يكتب هذه المقالات عن حزبهم .. ولماذ؟
وقد أجيبهم حين يسألون ، والسلسة مازالت مستمرة .