كشفت أمطار يوم الثلاثاء، التي شهدتها مدينة فاس، عن هشاشة البنية التحتية لبعض الأحياء والمناطق التابعة لها، فما إن هلت أولى قطرات الخير حتى تشكلت برك مائية لم تجد لها مسلكا نحو قنوات الصرف الصحي، حيث أغرقت الممر الأرضي وعزلت منطقة زواغة عن منطقتي بنسودة والمرجة، حيث شهدت حركة السير توقفا تاما دام ساعات طوال، إذ الجميع يتساءل عن الشروط المعتمدة في تشييد هذا الممر الأرضي الحيوي الرابط بين المناطق الثلاث الذي حصد العديد من السيارات وجعلها عالقة وسط مياه الأمطار، موجهين أصابع الاتهام للجهة المسؤولة عن هذه النقطة السوداء، التي باتت تورق الساكنة ومستعملي الطريق المؤدية من وإلى منطقة بنسودة، مطالبين بمحاسبة المقصرين والمتلاعبين.
ولقد أصبح من الواجب، في ضوء ما تعرفه بعض المناطق بالحاضرة الإدريسية، إيجاد حل جذري لهذه المشكلة التي تتكرر باستمرار مع موسم سقوط الأمطار بعدد من النقاط الحساسة، وعدم الاكتفاء بالحلول الترقيعية بالتصريف المؤقت وسحب المياه، بل لا بد من التفكير في بنية تحتية قادرة على مواجهة الكوارث، بدل أن تكون مستسلمة لكل حركة جوية عادية.. فمن خلال هذه الصورة يبدو أن الكل مسؤول عن الوضع.. فبسبب صمت المسؤولين وتقاذف المسؤوليات بهذا الصدد وكذا جهل المجتمع، جعل من مدينة فاس ضحية صمت، فالكل يتفرج ولا من يقول اللهم إن هذا منكر؟
وعرت التساقطات المطرية الأخيرة، التي لم توصف بالغزيرة، واقع المسالك الطرقية، والبنيات التحتية في المدينة، ليجد سكان هذه المناطق أنفسهم محاصرين منذ الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء، إذ غمرت المياه الطرقات والممرات، وأضحى مستحيلا على السكان والمرضى التنقل إلى الوجهة الأخرى، نتيجة عدم اتخاذ الجهات المعنية للإجراءات والتدابير اللازمة للحيلولة دون تضرر المواطنين، الذين اضطر عددهم إلى التأخر عن ولوج مقرات أعمالهم، جراء اضطراب حركة السير، بعدما تسببت الأمطار في إغلاق النفق الأرضي بالمنطقة بعد أن غمرته مياه الأمطار وحولت الموقع إلى بركة مائية، تعذر معها المرور على السيارات بمختلف أحجامها.
ولم يكن الممر الأرضي هو الوحيد الذي كشفت عن عيوبه أمطار يوم الثلاثاء، بل عرت واقع الإدارة المغربية وإهمال مؤسسات بريد المغرب لصيانة مقرات فروعه، حيث عاين مراسلنا إحدى الموظفات بإحدى المؤسسات الفرعية لبريد المغرب بمنطقة الأطلس، وهي تستقبل الزبناء تحت رحمة تسرب المياه التي تتساقط من السقف، حيث أغرقت غرفة مكتبها الواقع على يسار المدخل الرئيسي للوكالة، حيث تمت الاستعانة بدلو من البلاستيك ومنشف للأرض «السطل وجفاف» كحل ترقيعي بعدما عجزت الإدارة المعنية على معالجة الخلل على مستوى سطح البناية خلال الفترة الصيفية، تفاديا لأي تسربات مطرية محتملة.
وقد علق أحد المواطنين على الواقعة قائلا، «يبدو أن الأيام القادمة تحمل لنا الكثير من المفاجآت، حيث يعتقد أنها ستكشف عن اختلالات أخرى قد تربك المسؤولين، وتكون سببا في عدد من الإعفاءات أو التنقيلات، وعقابا عسيرا لأصحاب الشعارات الواهية».
من جهة أخرى، رب ضارة نافعة، حيث سجلت هذه التساقطات استحسانا لدى الفلاحين وأحيت الأمل الذي عاد ليدب في نفوسهم، إذ أقبل العديد منهم على حرث الأرض في انتظار ما سيسفر عنه الموسم، الذي يرتقب أن يتميز بسنة فلاحية جيدة عكس الموسم الماضي، حيث تعمل المديرية الجهوية للفلاحة بفاس جاهدة على أن تكون في الموعد من خلال التحضيرات الجارية لضمان انطلاقة جيدة للموسم الفلاحي الحالي.. والإجراءات والتدابير التي اتخذتها وزارة الفلاحة والصيد البحري، بشراكة مع جميع المتدخلين والمعنيين، من أجل إنجاح هذا الموسم، حيث يشكل القطاع الفلاحي على مستوى الجهة مكونا أساسيا في النسيج الاقتصادي الجهوي. إذ تتوفر الجهة على مساحة صالحة للزراعة تقدر بـ406 آلاف و220 هكتارا، من بينها حوالي 138 ألف هكتار مخصصة للحبوب و38 ألف و700 هكتار مخصصة للخضراوات.
ويذكر أن القطاع الفلاحي عرف على مستوى الجهة قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، بعد إعطاء الانطلاقة لمخطط (المغرب الأخضر)، وكذا اعتماد إستراتيجية جديدة تروم تمكين القطاع من دينامية متطورة ومتوازنة من خلال تثمين المؤهلات والإمكانيات، والمحافظة على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية، ومواكبة التوجهات الجديدة التي يعرفها النظام الغذائي والفلاحي على المستوى الدولي.
وقد ذكرت الإدارة الجهوية -على هامش إعطاء انطلاقة الموسم الفلاحي الجديد برسم موسم 2012/2013- بالظروف المناخية الصعبة التي طبعت الموسم الفلاحي الماضي? مشيرة إلى أن المغرب أنتج 51 مليون قنطار من الحبوب، 54% منها من القمح اللين و24% من الشعير و22% من القمح الصلب. في حين بلغ معدل المردودية 10 قنطارات في الهكتار الواحد كمعدل وطني، مستعرضة الإجراءات التي تم اتخاذها في إطار مخطط (المغرب الأخضر)، خاصة ما يتعلق بإعطاء الانطلاقة لنظام جديد للتأمين الفلاحي بعد التوقيع على اتفاقية ثلاثية بين وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين حول التأمين متعدد المخاطر، ومختلف البرامج التي تم اعتمادها من أجل النهوض بالقطاع الفلاحي، ومن بينها المراهنة -حسب غرفة الفلاحة بفاس- على زرع 5,4 مليون هكتار من الحبوب والقطاني، ومواصلة تنفيذ البرنامج الوطني للاقتصاد في الماء وتحسين نظام التأمين الفلاحي، وتعزيز دعم صندوق التنمية الفلاحية، وحماية الماشية وغيرها من المخططات والبرامج التي تروم النهوض بالقطاع وتوفير الظروف الملائمة للعملية الإنتاجية.