السيد الوزير ،
يعترفُ عدد من الكتاب والأدباء أنهم عثروا على ما ألهمَ بعض تآليفهم ، في كتب قديمة اقتنوها من بائعي الكتب القديمة والمستعملة .ويعتز مثقفون وباحثون وأطر عليا بكونهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا الأثمنة الزهيدة والرمزية التي كانوا يؤدونها مقابل المراجع والمصادر التي يعرضها أمامهم الكتبي . أما هواة المطالعة والتثقيف الذاتي فإن محلات الكتبيين هي الماء الذي يسبحون فيه مثلما تسبح الأسماك في مياه الأنهار والبحار .
وفي دول العالم المتقدم ، وأيضا بعض الدول الأقل تقدما ، والتي تملك تقاليد ثقافية عريقة توجد للكتاب المستعمل والقديم مكانة خاصة ؛ كما أن للمشتغلين فيه وضع اعتباري ومجتمعي لائق يحرص الجميع على دعمه وتطويره والحفاظ عليه .لأن في ذلك صونا للذاكرة الثقافية أولا ، وثانيا لأنه يمكن من إشاعة القراءة وسط الأوساط الفقيرة وذات الدخل المحدود .
وقد عرف المغرب نفس الوضع تقريبا إلى حدود الثمانينيات من القرن الماضي ، بعدها بدأت مهنة الكتبي تعرف تراجعا متواصلا يهددها بالإنقراض .تراجع من حيث الإقبال عليها أو جودة الكتب المعروضة أو كذلك من حيث عدد الكتبيين الذين يقاومون أسباب الإنقراض ببطولة نادرة .. فعددهم اليوم في مجموع أرجاء المغرب لا يتجاوز المائتين .
سيدي الوزير ،
لن نخوض في هذا المقام، الحديث عن أهمية القراءة والمقروء في تكوين الأجيال النافعة لمجتمعها وتحصين قيمنا المجتمعية ، فأنتَ سليل عائلة عريقة في الأدب والعلم والثقافة . ولكننا سنكتفي بإثارة الإنتباه إلى عدد من النقط التي نرى أنها تشكل لبَّ معاناة الكتبي وما يكابده من تهميش أو تنقيص من قدرته على الاستمرار في خدمة الثقافة الوطنية والنهوض بها في أفق بناء المجتمع الحداثي والديمقراطي الذي نسعى جميعا إلى رؤيته واقعا متحققا في بلادنا .
هناك أولا مسألة تنظيم المهنة .إذ ورغم مجهودات الكتبيين في مختلف المدن لتنظيم أنفسهم في إطار جمعيات مهنية ، فإن جهودهم تلك تذهب أدراج الرياح بسبب غياب الدعم سواء من طرف وزارتكم أو من طرف السلطات المحلية المنتخبة .. اللهم بعض المساعدات الإدارية واللوجيستيكية المتعلقة بتنظيمنا لمعرض سنوي بالدار البيضاء خاص بالكتاب المستعمل والذي يحظى بحضور كبير من الزائرين من مجموع المغرب والذي يمتد شهرا كاملا .
ثانيا ، مسألة غياب مشاركتنا في بعض التظاهرات الوطنية ، كالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء والذي نتمنى أن نكون حاضرين فيه ونحن على استعداد للمصادقة على دفتر التحملات الخاص بحجم المشاركة وطبيعة المعروضات وما ترونه ملائما لضمان منافسة شريفة مع باقي العرضين .
أما في المقام الثالث ، فإننا نُطلب منكم ترسيخ مبدأ الحوار الجاد والمسؤول بينكم باعتباركم جهة وصية على التدبير الثقافي ببلادنا وذلك بخصوص التغطية الصحية والإجتماعية باعتبارنا شريحة اجتماعية ذات وضع خاص على غرار الفنانين والمشتغلين بالصناعة التقليدية ، فهم يشكلون تراثا ثقافيا وطنيا.
رابعا وأخيرا ، إننا نطمح لنكون جزءا معماريا وسياحيا في المدن التي نتواجد بها ،ـوذلك بتخصيص فضاءات خاصة تكون بمثابة مزارات ثقافية وسياحية تزيد من رونق تلك المدن عوض الاستمرار في مزاولة مهنتنا هذه داخل الأسواق الشعبية والعشوائية .
السيد الوزير المحترم ، محمد أمين الصبيحي :
لقد راسنا من قبلكم ثلاثة وزراء .. ولم نتعب أو نكل أو نُحبط من التجاهل والتهميش الذي قوبلنا به ، بل نحن نقاوم ونكد في سعينا الثقافي والإجتماعي ، يساندنا في ذلك المثقفون والإعلاميون والقراء من مختلف الفئات . واستطعنا تحقيق منجزات من خلال ندوات حول القراءة والكتاب والقارئ ، وأيضا معرض الكتاب المستعمل والذي بلغ دورته الخامسة وأصبح له صيت وطني ودولي .
وها نحن نتوجه إليكم اليوم من أجل التواصل معكم للحوار لِما فيه خير لثقافتنا المغربية . ودمتم في خدمة الصالح العام .
يوسف بورة
رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين