حث خبراء وباحثون اليوم الثلاثاء بفاس في إطار ندوة علمية حول موضوع " الآثار السلبية لجريمة غسيل الأموال على الأسواق المالية " مختلف الإشكالات التي تطرحها هذه الجرائم وتمظهراتها وطرق مواجهتها .
واستهدف هذا الملتقى الذي نظمه ( مختبر البحث في الأصول الشرعية للكونيات والمعاملات ) التابع لكلية الآداب سايس التعريف بهذه الجرائم التي تكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاديات الوطنية وكذا التصورات الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة التي عرفت تطورا كبيرا في ظل سيادة نظام مالي عالمي موسوم بسهولة ويسر تنقل رؤوس الأموال والرساميل وانفتاح الأسواق المالية.
كما ركزت الندوة الذي حضرها خبراء وباحثون ومختصون في جرائم غسيل الأموال من المغرب وبعض الدول العربية على دراسة ومناقشة الأنظمة التشريعية التي سنتها هذه الدول للكشف عن هذه الجرائم والوسائل المعتمدة لمواجهتها وكذا الجهود التشريعية وتنظيمية لمكافحتها.
وأكد السيد الفارسي السرغيني رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس على الأهمية التي يكتسيها موضوع هذه الندوة التي تبحث إحدى الإشكالات الكبرى المرتبطة بجرائم غسيل الأموال التي تنتج أساسا عن جرائم أخرى كتجارة المخدرات والتهريب الضريبي وتهريب السلع عبر الحدود وتهريب والمتاجرة في الأطفال وغيرها من الجرائم .
وقال إن هذا الملتقى يشكل مناسبة لتبادل الخبرات والتجارب بين الخبراء والمختصين في بعض الجامعات العربية من أجل الخروج بتصورات وحلول من شأنها أن تساهم في الجهود التي تبذلها مختلف الأنظمة لمواجهة هذه الجرائم التي لا تخفى انعكاساتها السلبية على الاقتصاديات الوطنية.
وأوضح أن المجتمع الدولي الذي استشعر مبكرا خطورة هذه الجرائم تحرك من خلال سن اتفاقيات ومعاهدات دولية لمواجهة هذه الجرائم مستعرضا الجهود المبذولة على الصعيد الوطني من أجل محاربة جرائم غسيل الأموال بكل مكوناتها .
واعتبر الباحث السعودي عبد الله صالح السيف ( جامعة الملك سعود ) أن المباحث المتعلقة بغسيل الأموال تكتسي أهمية كبيرة لارتباطها بالمعاملات المالية التي عرفت انفتاحا كبيرا في العقود الأخيرة من خلال الأسواق المالية مشيرا إلى أن جرائم غسيل الأموال تتمثل بالخصوص في العمليات التي يحاول من خلالها مرتكبو الجرائم المختلفة إخفاء حقيقة مصادر هذه الأموال الناتجة عن هذه الاعمال غير القانونية وطمس هويتها.
وقال إن جرائم غسيل الأموال تدور حول جملة من الجرائم مثل أنشطة الاتجار في السلع أو الخدمات غير المشروعة وفقا لقوانين أو تشريعات الدولة كالمتاجرة في المخدرات وأنشطة البغاء والدعارة أو شبكات الرقيق الأبيض والتهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات والسلاح والعمولات وغيرها.
واستعرض الأنظمة التشريعية التي سنتها دول الخليج العربي والتي تتضمن ترسانة من القوانين من أجل مواجهة جرائم غسيل الأموال التي عرفت انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة مشددا على أنه لا يستطيع أي أحد أن يعرف على وجه الدقة مقدار ما يتم غسله من أموال قذرة في جميع أنحاء العالم.
ومن جهتها٬ أكدت الباحثة الجزائرية دليلة مباركي (جامعة باتنة) أن العديد من الدول لم تكتف بمجرد تجريم تبييض الأموال بل تعدته لاتخاذ تدابير وقائية من أجل الحفاظ على اقتصادياتها وذلك من خلال فرضها على المؤسسات المالية مجموعة من الالتزامات والتدابير من أجل توخي اليقظة والحذر في العمليات المالية.
وأكدت على أن الرقابة تظل من أهم الالتزامات التي تفرض على المؤسسات المالية والتي أضحت تمثل أحد الركائز الأساسية في مختلف النظم السياسية الدولية التي تستهدف الحد من استخدام النظام المالي في انشطة غسيل الأموال مشيرة إلى أن الدول مطالبة بالعمل على تطوير انظمتها وبرامجها الداخلية للحد من عمليات غسيل الأموال عبر إلزام المؤسسات المالية وغيرها باعتماد أنظمة وآليات فعالة للرقابة على حركية الأموال والأسواق المالية.
وبدوره٬ أكد الباحث المغربي هشام العيساوي ( جامعة فاس ) أن جرائم غسيل الأموال أصبحت من الإشكالات الكبرى التي تثار بشكل واسع في كافة الدول سواء منها الدول المتقدمة أو الدول النامية .
وأشار إلى أن مصادر الأموال القذرة تتعدد بتعدد الأفعال غير الشرعية أو الجريمة التي يصعب حصرها في إطار معين والتي تعمل على التدفق المستمر لهذه الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات والتهريب والتهرب الضريبي والمتاجرة في السلاح وتزييف العملة والرشوة غيرها .
وأكد على أن غاسلي الأموال لا يهتمون بالجدوى الاقتصادية للاستثمار بقدر اهتمامهم بالتوظيف الذي يسمح بإعادة أو استمرارية تدوير الأموال وهو ما يشكل خطرا على مناخ الاستثمار خاصة في الأسواق المالية المتمثلة في أسواق الأوراق المالية من الأسهم والسندات.
وستتواصل أشغال هذه الندوة في إطار جلسات علمية يتم خلالها مناقشة مجموعة من المواضيع من قبيل ( جريمة غسل الأموال بين إشكالية الإثبات وسبل الوقاية والمكافحة .. الأسواق المالية نموذجا ) و ( آليات الوقاية من الفساد في الصفقات العمومية ) و ( التدقيق الداخلي وظيفة أساسية لحماية المال العام ومحاربة الفساد المالي في بيئة الأعمال ) وغيرها.