تزامنا مع الاحتفال باليوم الوطني للسلامة الطرقية الذي يصادف 18 فبراير من كل سنة نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس ندوة علمية حول موضوع : “إشكاليات تطبيق مدونة السير الجديدة” ، وذلك يوم الجمعة 15 فبراير 2013 بقاعة الجلسات الكبرى بالمحكمة الابتدائية بمكناس ابتداء من الساعة الثالثة مساء بعد الزوال.
افتتحت أشغال الندوة بكلمة للأستاذة حجيبة البخاري رئيسة المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس التي أكدت على أن هذا اللقاء يأتي في إطار مساهمة النادي في الاهتمام بالقضايا التي تهم شؤون الوطن والمواطنين ولتكريس مزيد من انفتاح القضاء على محيطه، وبمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية، حيث أكدت على أهمية التواصل بين جميع المتدخلين والمهتمين بمدونة السير الجديدة من أجل ضمان تطبيق ناجع لها.
وأضاف الأستاذ عبد المجيد مليكي القاضي بالمحكمة الادارية بمكناس وعضو المكتب الجهوي للنادي بأن اختيار موضوع الندوة يرتبط باليوم الوطني للسلامة الطرقية كمناسبة لإعادة فتح النقاش حول مدونة السير الجديدة خاصة وأن صدورها واكبه قيام نقاش حاد حول أبعادها الاقتصادية والاجتماعية دون أن يشمل ذلك نقاش حول أبعادها القانونية والتي كانت مغيبة، مؤكدا أن دخولها إلى حيز التنفيذ كشف عن ظهور عدة اشكاليات عملية استدعت اعادة تقديم قراءة جديدة لمقتضياتها على ضوء ما استجد من آراء فقهية واجتهادات قضائية معاصرة.
واستعرض الأستاذ عبد الله الكرجي الكاتب العام للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرباط ونائب رئيس المحكمة الابتدائية بالرماني مجموعة من الاشكاليات المتعلقة بموضوع “التحقيق الاعدادي في قضايا حوادث السير” وفي مقدمتها اختيار التدبير المناسب في حق الأظناء ما بين الاعتقال الاحتياطي وتفعيل بدائله، إلى جانب إشكالية وضعية رخصة السياقة أمام قاضي التحقيق والجهة المكلفة بالبت فيها، ثم إشكالية وفاة أحد ضحايا حوادث السير متأثرا بجروحه في الحالة التي يكون فيها السائق متابعا فقط بالجروح غير العمدية وما إذا كان ذلك يستدعي فتح ملف تحقيق منفصل، أو إضافة النيابة العامة لمتابعة القتل غير العمدي الناتج عن حادثة سير..
و تساءل الأستاذ عبد الله الكرجي عن مدى فعالية التحقيق في حوادث السير المميثة حيث صرح بأن “الفعالية تتحقق بمجرد مثول السائق المحقق معه في حادثة سير نجم عنها وفاة أمام قاضي التحقيق ، فبعد ما كان لا يقدم أحيانا حتى أمام النيابة العامة أصبح مهددا في أية لحظة بالإيداع في السجن ، فيتحقق بذلك نوع من الردع الخاص وبه نصل إلى الردع العام “.
مؤكدا في الوقت ذاته على أن الغاية ليست تحقيق ردع خاص أو عام ، فقط ، بل كذلك كشف المتورطين في حوادث السير المميتة الخطيرة الناتجة عن رعونة أو تهور أو مخالفة صريحة للقانون لأن عدم كشفهم يشكل تشجيعا لهم .
وبالنسبة للآليات التي المرصودة لقاضي التحقيق من أجل القيام بمهامه اعترف الأستاذ عبد الله الكرجي بأن مؤسسة التحقيق في المحاكم الابتدائية تبقى عاجزة عن القيام بأدوارها بالنظر إلى انعدام الامكانيات “فقاضي التحقيق وهو يحقق في جنحة القتل الخطأ الناتج عن حادثة سير يجد نفسه أمام محضر أنجز من ضابطة قضائية غير متفرغة تنوء بأعباء إدارية أكثر من القضائية وأمام عدم إحداث اللجان الجهوية للبحث في الجرائم المميتة ، يكون مضطرا إلى الإعلان عن انتهاء التحقيق بعد استنطاق تفصيلي فصل بينه وبين الابتدائي أسبوع أو أسبوعين ، استمع بين الاستنطاقين لذوي الحقوق وبعض الضحايا إن وجدوا ، فتكون بذلك مرحلة التحقيق مجرد عبء مضاف على المحكمة لخروجها عن الهدف الذي تغياه المشرع” .
وتناول الأستاذ فاتح كمال المستشار بمحكمة الاستئناف بتازة موضوع “المستجدات الالكترونية بمدونة السير” حيث أشاد بالدور المحوري الذي تقوم به تقنية المعلوميات في عالمنا المعاصر معتبرا بأن إقرار مدونة السير لمجموعة من المستجدات الإلكترونية جعلت من إثبات المخالفات المرورية تعرف نقلة نوعية من خلال تقنين وسائل حديثة لإثبات المخالفات لاشك أنها ستؤثر على تشريعات أخرى.
وأضاف المستشار فاتح كمال أن دراسة موضوع المستجدات الإلكترونية في مدونة السير هو موضوع يكتسي أهمية نظرية بالغة نظرا لراهنيته وأهميته البالغة وتأثيراته الكبيرة في مجال السلامة الطرقية و تنظيم قطاع السير بالمغرب لما يشكله من ثورة على مجموعة من المبادئ القانونية الكلاسيكية من قبيل سلطة القاضي في تفريد العقاب أو الحق في المحاكمة العادلة أو شخصانية العقوبة والتوقيع كركن أساسي في الوثيقة الإدارية. مستعرضا في هذا الصدد بعض الوسائل الحديثة التي أتت بها مدونة السير لإثبات المخالفات ومنها الحامل الإلكتروني لرخصة السياقة وشهادة تسجيل المركبة و كذا جهاز قياس السرعة وجهاز الكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول، مشيرا إلى بعض الآثار القانونية والقضائية لهذه المستجدات سواء على سائق أو مالك المركبة.
أما الاستاذ مزيان عز العرب القاضي بالمحكمة الابتدائية بمكناس فقدم مداخلة حول موضوع “أحكام رخصة السياقة على ضوء مدونة السير وأثرها على عقد التأمين”، حيث قدم تعريفا لرخصة السياقة باعتبارها “شهادة ادارية اسمية، اجبارية تسلمها الادارة وفق شكليات معينة، وتخول لصاحبها دون غيره الحق في قيادة مركبة ذات محرك ويختلف صنفها باختلاف صنف هذه المركبات التي يمكن سياقتها”. قبل أن يتساءل عن المقصود بعدم التوفر على رخصة سياقة صالحة وما إذا كان هذا المفهوم ينصرف للدلالة على الحيازة المادية والقانونية لها أم الحيازة القانونية فقط؟ مؤكدا بأن المقصود بعدم التوفر على رخصة السياقة هو عدم حصول السائق أصلا على هذه الرخصة من الجهة المؤهلة قانونا لمنحها. مستعرضا نماذج من الاجتهاد القضائي بخصوص أثار أحكام رخصة السياقة على عقد التأمين والتي كرست أن الاصل هو عدم سريان ضمان شركة التامين حينما يكون السائق غير متوفر على رخصة السياقة .
و اختتمت هذه الندوة بعد فتح باب المناقشات أمام الحضور من قضاة ومحامين وباحثين وفاعلين من مكونات منظومة العدالة ومن المجتمع المدني بالتأكيد على ضرورة مواصلة النقاش حول الاشكاليات المستجدة التي تطرحها مدونة السير ومحاولة الوقوف على الاجتهادات القضائية الحديثة بغية توحيدها لضمان نجاعة التطبيق الفعلي و الجيد لبنود مدونة السير.