كما هو معلوم أن المرأة عانت قديما قبل الإسلام ألوانا من الظلم والاجحاف والتنكر لحقوقها الإنسانية التي
يتمتع بها الرجل عادة في نفس المجتمع، لغياب شريعة العدل والإنصاف، وتمكن شرائع الغاب والأهواء التي سنها الأقوياء لإحكام سيطرتهم على الضعفاء والنظرة الدونية إلى المرأة، وانحطاط مكانتها في أغلب تلك المجتمعات. تلك النظرة التي كانت تشكلها وتحكمها المعتقدات الدينية الفاسدة والنظريات الفلسفية الأحادية أو الخلفية الخرافية المكونة للثقافة المجتمعية السائدة أو المورثة في شكل طقوس أو تقاليد وأعراف، يحرص الجميع على احترامها ويعمل الأفراد على استمرارها. وقد نهلت المرأة بسبب تلك النظرة جرعات مضاعفة من الأذى والقهر والعذاب لكونها من المستضعفين في الأرض ولكونها أنثى، كما رسخت الاعتقاد بكون المرأة لم تخلق لغير خدمة الرجل ، ولا حق لها ولا حظ لها غير ذلك. وكان لهذا الاعتقاد الأثر البالغ في استمرار سوء المعاملة التي كانت تتلقاها، بل وفي تقنينها بقوانين ضابطة لمشروعيتها، بدل النظر إليها نظرة الرحمة وسن القوانين التي تحميها من تعسف الرجل وظلمه، أو تعيد إليها اعتبارها الإنساني في حالة وقوعه. وعليه فلم يُنظر إلى المرأة أبدا على أنها إنسان كامل الأهلية كالرجل في أي مجتمع من المجتمعات القديمة التي سبقت الإسلام حيث كانت مهدورة الدم دوما وفي كل البلاد على يد من يلي أمرها من الرجال، مهددة بأنواع التعذيب والقهر منذ مجيئها إلى الدنيا، بالوأد وليدة من طرف أبيها عند العرب، وبالحكم موتا عند الرومان والفرس من طرف الأب أو الزوج، لأدنى جناية أو حتى بدونها، وبالموت خوفا وهي حية ترزق إذا هلك عنها زوجها عند الهند، كما أن المرأة لم تحظ بأية التفاتة معتبرة، أو دعوة صريحة منصفة تعمل على الرفع من شأنها ، أو تدافع عن حقوقها، أو تجرم من يعتدي عليها، أو حتى تحرم المساس بحقها في الحياة على الأقل، فما بالك بما دون ذلك من الحقوق الأخرى كحق اختيار الزوج، والتصرف في المال، وممارسة الأعمال ذات النفع العام، أو التعلم. هكذا كان حال المرأة إلى أن جاء الإسلام دين الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وينقد البشرية مما هي فيه من تخبط وزيغ وضلال، جاء ليعلم الناس الخير والحق والعدل ولينقد المرأة مما هي فيه من مهانة وظلم واحتقار ليصحح المفاهيم ويضع ميزان الحق لكرامة المرأة حيث حدد لها مكانها الحقيقي في المجتمع كإنسان له مكانته ودوره في الحياة، ولتكون عنصرا فعالا في نهوض الأمة وتقدمها ورقيها، فوضع ميثاقا عالميا لحقوقها معلنا ومقررا إنسانيتها في نصوص ثابتة واضحة لا تحتمل الشك ولا التحريف مشرعا كل ما يضمن لها حياة كريمة مكفولة النفقة من الولادة إلى الممات مانحا إياها كل الرعاية والعطف،كما نص الميثاق على القوانين اللازمة لحفظها وصيانة عرضها وكرامتها من الأذى فأعطاها كل الرعاية والحماية والحصانة التي فقدتها عبر القرون الطويلة ولازالت تفتقدها في كثير من الأمم والشعوب التي تدعي الحضارة اليوم، والتي تعلن ميثاق حماية حقوق الإنسان، لكن المرأة المسلمة لديها أعظم ميثاق فهي ليست بحاجة إلى ميثاق تصدره هيئة الأمم، إذ لا مجال لعقد مقارنة بين قانون دولي وضعي وقانون كوني سماوي وضعه الله تعالى مما يصلح به أحوال الناس.إلا أنه تجدر الإشارة أن علاقة النساء بالرجال – في الإسلام – هي علاقة المساواة – لكنها مساواة “الشقين المتكاملين ” ، لا مساواة ” الندين المتماثلين” ، وذلك حتى تدوم سعادة الجنسين – بالتكامل – ولا يحدث التنافر بسبب التماثل ، فالحياة الزوجية مثلا حياة اجتماعية ، ولابد لكل اجتماع من رئيس ، لأن المجتمعين لابد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إلى رأيه في الخلاف لئلا يعمل كل ضد الآخر فتقصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام ، والسفينة لا تقاد بربانين، والرجل في هذا السياق أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعا بحماية المرأة والنفقة عليها ، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف وبهذا تتميز هذه المساواة في الإسلام عن نظيرتها في الفكر الغربي .ورغم كل ما أعطاه الإسلام للمرأة من مكانة مرموقة ومن عناية فائقة توجد اليوم هيجة تسمى حقوق المرأة و المطالبة بالمساواة الكاملة مع الرجل، و في وسط هذه الهيجة التي تشبه الحصى يهذي بعض المحمومين والمحمومات باسم الإسلام، وبعضهم يقول: إن الإسلام قد سوى بين الجنسين في كل شيء و بعضهم جهلا أو غفلة يقول إن الإسلام عدو المرأة ينقض كرامتها و يهين كبرياءها ويحطم شعورها و يدعها في مرتبة أقرب للحيوانية متاعا للرجل و أداة للنسل ليس غير وهي في هذا موضع التابع من الرجل يسيطر عليها في كل شيء، وهؤلاء و أولئك لا يعرفون حقيقة الإسلام أو يعرفونها ثم يلبسون الحق بالباطل ابتغاء الفتنة و نشرا للفساد في المجتمع.إن وصف وجهة نظر الإسلام عن المرأة بأنها حط من قيمتها تشويه متعمد للحقيقة ، فالإسلام لا يقول عن المرأة : أنها أقل شأنا من الرجل ، بل جل ما يقوله هو : إنها تختلف عن الرجل ، فالقضية هنا تقتصر على أوجه التباين بينهما وهي لا تتعلق بتحديد من هو الأفضل بينهما .إن قوانين الإسلام عن المرأة والرجل تنبع من حقيقة مبدئية هي أنهما جنسان منفصلان، وتوجد بينهما فروق معينة ومحددة من الناحية التكوينية، ولأجل ذلك لا ينبغي أن يكون لهما إطار عمل واحد ومشترك في محيط الأسرة والمجتمع، فتباينهما على مستوى التكوين الإحيائي (البيولوجي ) يحتم التباين على مستوى النشاط كذلك .وظلت هذه وجهة نظر كافة الأديان السماوية، على مدى آلاف السنين عن المرأة، ولم يثر شك حول هذا منذ ذلك الحين حتى العصر الحاضر ، إلا أن حركة تحرير المرأة في العصر الحديث طرحت للمرة الأولى أمام العالم فكرة التماثل التام بين الرجل والمرأة ، وطالبت بضرورة منحهما فرصا متساوية للعمل في كافة المجالات ، ولكن هذه التجربة لقيت إخفاقا تاما من الناحية العملية. هذا الإخفاق التام لحركة تحرير المرأة حمل الناس على بحث القضية من جديد، وبدأت حولها دراسات علمية جادة في مختلف أنحاء العالم ، وانتهت هذه الدراسات بالتأكيد على أن هناك تباينا تكوينيا بين كل من الرجل والمرأة، وهذا التباين التكويني هو العامل الأساسي الذي لا يمكن المرأة من المساواة مع الرجل في كافة مرافق الحياة ، وكانت الفلسفات الزائفة قد شككت في وجهة النظر الدينية عن المرأة ، إلا أن الحقائق العلمية عادت لتؤكد على صحتها من جديد.
بقلم عبد الصمد القرمودي طالب باحث ماستر جماعات محلية بكلية الاداب ظهر المهراز