أشفق عليه خاله من التشرد في الشارع، وآواه ببيته، بعد أن طرده أبوه بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، فكان الجزاء على الجميل في أبشع صور اللؤم والدناءة. لقد هتك عرض ابنته الصغيرة ذات التسع سنوات، وقتلها شر قتله بعد أن ذبحها من الوريد إلى الوريد.
منذ صغره، نشأن متمردا على أعراف وتعاليم الأسرة، التي كانت تنهل قيمها من أصالة المجتمع المغربي. فكان أن غادر دراسته في وقت مبكر، دون أن يكون قد حصل على الشهادة الابتدائية، فأجبره والده، المسن الكادح في مستودع لصنع الطوب والآجور، على العمل إلى جانبه، على أمل تعلم حرفة قد تنفعه مستقبلا بعد أن لم يفلح في تحصيل العلم والدراسة. لكن لم تمر بضعة أيام، حتى رفض الاستيقاظ من النوم، وكانت تلك أول مناسبة يتلقى فيها علقة ساخنة من والده.. لكن الضرب لم يفلح في تقويمه، وزاده ذلك إصرارا على التمادي والتهور.
مباشرة بعد العلقة التي تلقاها من والده، غادر البيت ولم يعد إليه إلا بعد أسبوع، وبعد أن استفسره أبوه عن مكان غيابه، امتنع عن الكلام، قبل أن يقر لاحقا لوالدته بأنه قضى أيامه تلك بسوق الجملة، حيث تعلم شرب الخمر وتدخين السجائر. صدمت الأم لحجم جرأة ابنها، ورفضت إخبار زوجها خوفا من أن يقتل الصبي.
من عاشر قوما..
مرت الأشهر والسنوات، وصار الطفل شابا يافعا، يبلغ من العمر 18 سنة. فشل في كسب قوته من الحلال، فلجأ إلى الحرام، وبدأ يبيع المخدرات ويتاجر في الخمور لفائدة مروجين كبار معروفين بالأحياء الشعبية الكبرى للمدينة. وفي إحدى المرات، صادفته دورية للشرطة، كانت تبحث عن البارون الكبير، وقدمته إلى وكيل الملك، الذي عرضه على المحاكمة، ليصدر في حقه حكم بالحبس النافذ لمدة سنة.
داخل الزنزانة، تعرف على أباطرة كبار في الجريمة، وكان يستمع بإمعان إلى حكاياتهم وقصصهم في مجال الإجرام، التي يروونها بالكثير من التباهي، فشحذ المتهم “موهبته” في الجريمة، وصقل “قدراته” في الانحراف. وبدل أن يكون السجن فضاء للتأديب والتأهيل، كان مصدرا غزيرا للمعلومة الإجرامية وفضاء خصبا لمعرفة الكثير عن المجرمين العتاة.
اليوم خمر.. وغدا جريمة
بعد أن غادر السجن، فور انتهاء عقوبته، وجد والدته في انتظاره، وعندما استفسرها عن أبيه، أخبرته بأنه رفض الحضور للقائه، خوفا من كلام الناس. وعندما وصل إلى البيت رحب به، وطلب منه التوبة والابتعاد عن طريق الشر، فأحنى الشاب رأسه خجلا، ووعد والده بتحقيق رغبته. لكن النزعة الإجرامية سرعان ما عادت إليه، فغادر المنزل ذات ليلة، متجها نحو “سوق الجملة” حيث رفاق السوء القدامى.
في تلك الليلة شرب المتهم الكثير من الخمر، وتشاجر، تحت تأثير السكر، مع أحد الجيران عندما كان عائدا من البيت، فكسر زجاج سيارته بحجر، وجرحه في وجهه بشفرة حلاقة. كان مشهد الجار وهو يقطر دما من وجهه، مؤلما غاية الألم في قلب الأب، فلم يتردد في اتخاذ قرار طرد ابنه من البيت إلى الأبد.
اغتصاب جثة في منتصف الليل
قضى تلك الليلة في الشارع، وفي صباح اليوم الموالي توجه إلى بيت خاله، شقيق والدته، واستعطفه أن يشفق عليه من التشرد في الشارع، فرحب به خاله، وسمح له بدخول بيته ريثما يقنع والده بالعدول عن قراره في حق ابنه. لكن المتهم لم يمهله، وجازاه عن جميله هذا بفاحشة هزت عرش الرحمان. فقد تسلل إلى غرفة طفلته الصغيرة، وكتم أنفاسها بيديه القويتين، ليتسبب في وفاتها خنقا. ورغم أنه كان مدركا لخطورة ما ارتكبته يداه الأثيمتان، فإنه لم يضطرب أو يرتعش، بل جردها من ملابسها ببرودة دم عجيبة، ومارس عليها الجنس وهي جثة هامدة. وفي النهاية ارتدى سرواله، وقفز من النافذة هاربا.
نهاية مأساوية لنزوة عابرة
قبل بزوغ فجر تلك الليلة، اكتشفت الأم الجريمة، بعد أن رابها سكون غرفة ابنتها غير العادي، وقررت الدخول إليها للاطمئنان على فلذة كبدها. خاطبتها فلم تجب، واقتربت منها فلم تتحرك، فوضعت أذنها على موقع القلب، لتكتشف الحقيقة المروعة.
كان المشهد قاسي الوقع على قلب الأب، الذي سقط على الأرض مغمى عليه، فيما هرعت الأم إلى الشارع تبكي وتولول وتندب حظها. ولم يكن من مشتبه فيه سوى ابن شقيقة الزوج، الذي كان غائبا بالمرة عن المشهد المأساوي، إذ تأكد للجميع أنه هو صاحب هذه الفعلة النكراء، والجريمة البشعة، وأنه لاذ بالفرار.
استمع ضابط الشرطة القضائية، الذي حضر لمعاينة الجثة وتمشيط محيط الجريمة، إلى إفادات أقارب الهالكة، فأمر عناصره بالبحث عن المتهم، الذي لم يكن غريبا عن عناصر الشرطة القضائية بالمنطقة، باعتباره صاحب سوابق قضائية. وفي ظرف يوم واحد، ألقي القبض عليه، وأحيل على التحقيق، فاعترف، بعد محاولة يائسة للإنكار، بارتكاب الجريمة البشعة في حق ابنة خاله، وقتلها خنقا قبل اغتصاب جثتها، ليحال ملفه على العدالة، لإدانته بالمنسوب إليه بعد انتهاء جلسات المحاكمة.