أمل الخبراء والمبتكرين في الحصول على مشاهد الواقع المعزز عن طريق دمج تقنيات الملاحة الجغرافية، والوسائط المتعددة الثلاثية الأبعاد، وأدوات البحث كلها، في مجال النظر والبصر، يتطلب تطوير نظارات عالية التقنية، تقوم بمزج الرسوم الرقمية من دون أخطاء، مع العالم الحقيقي. بيد أن نظم الواقع المعزز في يومنا هذا، تطلب من مستخدميها، إما استخدام شاشة الهاتف الذكي العاملة باللمس الموجودة أمامهم، وهي عملية ليست بالمسلية كثيرا، وإما وضع عدّة على الرأس (مثل خوذة أو طاقة) التي تكون ظاهرة للعيان.
* «عُديسات» لاصقة إلكترونية
* المشكلة لا تكمن في صنع شاشات أو الأجهزة التي يكون لها الكثير من قوة المعالجة والبكسلات الخاصة بوضوح الصورة أيضا، ولكن مع العين ذاتها، إذ يكون حتى الشباب من ذوي النظر الحاد، غير قادرين على التركيز على أي شيء أقرب لعيونهم من مسافة 7 سنتيمترات، مما يتطلب أجهزة بصرية معقدة وكبيرة نسبيا، لأغراض الواقع المعزز، بحيث تبدو الشاشات القريبة بعيدة.
لكن «إنوفيغا» الشركة الناشئة التي مقرها قرب مدينة سياتل في الولايات المتحدة وجدت حلا مبتكرا، ألا وهو تعديل مجال نظر المستخدم. فقد طورت عدسات لاصقة صغيرة ذات «عُديسات» lenslets أخرى أكثر دقة في وسطها، التي لها مجال بؤري يبلغ 1.25 سنتيمتر، مما يتيح تشييد الشاشات في العدسات اللاصقة المشابهة للعادية، من دون الحاجة إلى أجهزة بصرية كبيرة.
والمهم هنا أن العدسات هنا لا تعوق القدرة على رؤية الأجسام البعيدة، إذ تقوم طبقة راشحة بصرية، باستثناء الضوء المستقطب خطيا، الذي يغطي غالبية كل عدسة. في أي حال تتيح الطبقة الموجودة وراء العدسة الصغيرة المركزية مرور الإشعاعات الضوئية الاستقطابية فقط. وهكذا فإن كلا من الضوء المستقطب الذي تبثه الشاشة القريبة، والخلفية البعيدة، يبدوان واضحين جدا. كما تمنع الطبقة هذه الضوء الصادر من شاشة الواقع المعزز من الدخول إلى بقية العدسات، وبالتالي تشكيل وهج يشتت التركيز.
* نظارات قتالية
* وتنوي الشركة الترخيص لتقنيتها هذه للشركات المنتجة للعدسات اللاصقة، وبالتالي التشارك مع الشركات المصنعة للإلكترونيات الاستهلاكية لإنتاج معدات يمكن ارتداؤها، أو وضعها على الجسم، مثل «نظارة غوغل» التي ما تزال نموذجا أوليا. وفي أي حال من المتوقع أن يكون الزبون الأول هو القوات المسلحة الأميركية، التي قدمت التمويل اللازم للأبحاث. ويرى الرئيس التنفيذي لشركة «إنوفيغا» ستيف ويلي، أن الجنود سيقومون بتحديث نظرهم بصورة دائمة، عن طريق عمليات لزرعها داخل العين. «فقد يخضع المقاتل إلى عملية بسيطة، بحيث لا يدرك أنه بات يمتلك هذه القدرة الجديدة، إلى أن يستخدم مثل عدسات الوسائط هذه» كما يقول.
وقامت «إنوفيغا» بإجراء 100 ساعة من الاختبارات البشرية على تقنيتين للعرض، إحداهما شاشة صغيرة مكروية دقيقة تعمل بالبلور السائل (إل سي دي)، وأخرى تعمل بالليزر المنخفض القوة، يقوم بتسليط الصور إلى داخل النظارات الشمسية. ونظرا لكون الراشح البصري موجودا داخل كبسولة محكمة داخل مادة البوليمر الخاصة بالعدسات اللاصقة التقليدية التي تسمح بنفاذ الغاز عبرها، تأمل «إنوفيغا» أن يكون بمقدور نظام الراشح تفادي اختبارات السلامة المكثفة المطلوبة من قبل الأجهزة الطبية الجديدة. وتتوقع الشركة الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية في العام المقبل، كما ترغب في إطلاق هذا المنتج الاستهلاكي في نهاية عام 2015.
* عيوب التقنية
* لكن للتقنية هذه بعض عيوبها. فالأكثر إزعاجا لهواة هذه الأجهزة، هو أن بعض شاشات «إل سي دي»، بما في ذلك الخاصة بـ«أبل آي باد»، تبث أيضا ضوءا خطيا استقطابيا، مما يسبب في النهاية إلى تحول هذه الشاشات إلى السواد في بعض التوجهات بالنسبة لأي شخص يضع عدسات لاصقة من «إنوفيغا». والأكثر أهمية من ذلك، يقوم الراشح بمنع نصف الضوء الصادر تماما، كما تفعل النظارات الشمسية الاستقطابية. وتعتقد «إنوفيغا» أن تقوم وكالة الغذاء والدواء بتحديد استخدام عدساتها لأغراض قيادة السيارات الليلية، كما أنها تقر أن العدسات بالنسبة إلى بعض المستخدمين، قد تطلق موجة من السوداوية القريبة من الاضطرابات العاطفية الموسمية. وتدرس الشركة عدسات من الجيل الثاني براشح طيفي، من شأنها أن تخفض فقط نسبة 20% من الضوء الصادر، عن طريق إزالة الكتل الصغيرة من الموجات الضوئية الزرقاء والخضراء والحمراء من الطيف المرئي.
ورغم أن نظام الراشح الخاص بـ«إنوفيغا» جديد، فإن استخدام العدسات اللاصقة لأغراض العرض بالواقع المعزز قد جرب سابقا. ففي عام 1999 جرى منح ستيف مان أستاذ الهندسة الكهربائية والكومبيوتر في جامعة تورينتو، والرائد في مضمار الكومبيوترات التي يمكن ارتداؤها ووضعها على الجسد، براءة كندية لإنتاج عدسات لاصقة يمكن استخدامها في العناصر الثلاثية الأبعاد، للتركيز على الأشياء المعروضة عن قرب، لكنه سرعان ما تخلى عن الفكرة.
كما تمكن الباحثون في جامعة واشنطن في سياتل في الولايات المتحدة أخيرا بالتعاون مع الباحثين في جامعة التو في فنلندا من البرهنة على أن «العدسات البيونية اللاصقة على العين» ستتمكن في يوم من الأيام من بث النصوص والصور مباشرة أمام أعين مرتديها، هي آمنة تماما ويمكن استخدامها.