بعد أن أقرت الحكومة في المغرب -التي يقودها حزب العدالة والتنمية- بالأزمة الخانقة التي تهدد اقتصاد البلاد، طغت الخلافات السياسية بشكل علني بين مكونات الأغلبية الحكومية بشأن الخيارات اللازمة لمواجهة الأزمة.
ويأتي هذا الوضع في ظل تقارير شبه رسمية تفيد بتجاوز نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، واضطرار الحكومة إلى تجميد مبلغ 15 مليار درهم ( 1.7534 مليار دولار) من نفقات الاستثمار العمومي في ميزانية السنة الجارية.
وأثارت مواقف حزبي الاستقلال والحركة الشعبية -المشاركين في الحكومة- بانتقاد علني للحكومة -بعد الحديث عن احتمال الرفع في الأسعار وتخفيض أجور الموظفين لمواجهة الأزمة- تساؤلات عن مدى وجود سياسة منسجمة لإنقاذ الاقتصاد المغربي.
ولم يتردد حزب الاستقلال -رغم مشاركته قبل ذلك في اجتماع لأحزاب الأغلبية لتدارس الأزمة- في إصدار مذكرة انفرادية باسم “جهاد الكرامة” اتهم فيها الحكومة بعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة لإيجاد حل للأزمة، ومعتبرا أن أية زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية “خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه.
بل ذهبت القيادية في الحزب كنزة الغالي في تصريح للجزيرة نت إلى القول إن الحزب له بدائل للخروج من هذه الأزمة من خلال حوار وطني مع باقي الفعاليات السياسية ودون المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين.
خطة حزب
وأكد هذا التوجه اقتراح الحزب -بحسب المذكرة- خطة استعجالية تنص على توفير ثلاثين ألف منصب شغل للعاطلين حاملي الشهادات، ومحاربة الفساد واقتصاد الريع، والتهرب الضريبي وتعزيز المداخيل الجبائية وإصلاح نظام دعم المواد الاستهلاكية وإعادة الثقة في مناخ الاستثمار.
أما حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) فاستغل هذه الفرصة ليوجه القيادي في الحزب حكيم بنشماس اتهامات للحكومة “بممارسة الشذوذ السياسي من خلال تبنيها خطاب المعارضة”.
وفي تعليق على هذه المواقف لاحظ الباحث السياسي إدريس القصوري في تصريح للجزيرة نت أنه رغم وجود ميثاق للأغلبية الحكومية فإن مواقف مكونات الأغلبية لمواجهة الأزمة تعبر عن غياب “نسق واحد داخل الأداء الحكومي، وطغيان التدافعات السياسية الضيقة بين مكوناتها”.
كنزة الوافي: حزب الاستقلال له بدائل للخروج من الأزمة من خلال حوار وطني مع باقي الفعاليات السياسية (الجزيرة نت)
واعتبر أنه مع ذلك تظل المسألة “إيجابية” من جانب توسيع دائرة مناقشة وجهات النظر المختلفة بشأن موضوع الأزمة الاقتصادية بشكل واضح بعيدا عن الكواليس، لكنه حذر من عواقب طغيان الهاجس السياسي و”تعدى الحدود المطلوبة” لأن اقتصاد البلاد أمر مصيري ويرهن مستقبلها.
احتواء الأزمة
وفي خضم هذا الجدل بدأ الحديث عن وضع الحكومة -التي يترأسها عبد الإله بنكيران- خطة جديدة كشفت عنها الصحف، في محاولة لاحتواء الأزمة.
وترتكز الخطة على ثلاثة محاور رئيسية، تتمثل في تجميد جزء من نفقات الاستثمار العمومي المبرمجة خلال السنة الجارية، وكذا رفع مجهود الدولة في مجال المراقبة لتحصيل عائدات ضريبية إضافية، إضافة إلى اللجوء للاقتراض الخارجي.
وفي المقابل لم تعلق الحكومة حتى الآن على ما كشف عنه إدريس لشكر -الربان الجديد لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارض)- في اجتماعات حزبية بأن الحكومة طرحت مقترحات لمواجهة الأزمة من قبيل “تخفيض أجور الموظفين والرفع من أسعار الوقود والكهرباء”.
واعتبر الأكاديمي والمحلل الاقتصادي نجيب أقصبي -في تصريح للجزيرة نت- أن الوضع الاقتصادي بالمغرب يوجد حاليا “في نفق” موضحا أن الموارد الطبيعية المتمثلة في المداخيل الجبائية لا تغطي حاليا سوى 60% من النفقات، مما يخلف عجزا ستضطر معه الحكومة إلى الاقتراض الخارجي.
وعزا أقصبي هذا الوضع إلى عجز الحكومة عن تفعيل إصلاحاتها خاصة في المجال الجبائي وصندوق المقاصة (صندوق مالي لدعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية)، الذي يكلف ميزانية الدولة 55 مليار درهم، بنسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
حلول معجزة
واستغرب أقصبي في الوقت نفسه ما أسماه بـ”الحلول المعجزة” التي أعلن عنها حزب الاستقلال، قائلا إنها تندرج -بمعية موقف الحركة الشعبية، وبعض أحزاب المعارضة التي كانت إلى وقت قريب في الحكومة- ضمن “المزايدات الشعبوية والسياسية الضيقة”.
وحذر نتيجة لذلك من توجه الوضع الاقتصادي “نحو الهاوية” في ظل “اللا إصلاح، والانتظار، وتصاعد العجز”.
وفي سياق متصل استطلعت الجزيرة آراء بعض الموظفين والمستخدمين بشأن الأزمة الاقتصادية ومقترحات الحلول الحكومية، حيث أجمعت مختلف الانطباعات أن مجرد الحديث عن “فكرة خفض أجور هذه الفئات للمساهمة في تغطية العجز المالي يعد -حسب تعبيرهم- ضربا من الجنون لا تحمد عقباه” بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، مطالبين الحكومة بدل ذلك بمحاربة حقيقية للتهرب الضريبي.