فاس شهدت أول انتحار شرطي برصاص مسدسه

لم تكن مدينة فاس بمنأى عن مدن أخرى شهدت انتحارات لرجال الأمن أو محاولتهم ذلك، لأسباب غامضة وفي ظروف متباينة ومختلفة. لكن الظاهرة ضعيفة بها خاصة خلال الأشهر الأخيرة، لما ارتفع رقم ضحاياها بمفوضيات أخرى، رغم أنها كانت سباقة لتسجيل حالة انتحار شرطي قبل نحو عقد، حين تفجير فضيحة تزوير شهادة عزوبة فتاة من عائلة معروفة بالمدينة.
لم تكن للشرطي الذي قد يكون أول ضحية انتحار في صفوف الأمن، أي مشاكل شخصية أو في عمله، قد تعكر صفو استقراره النفسي. لذلك كان انتحاره باستعمال مسدسه الوظيفي الذي أطلق منه طلقة نارية على رأسه كانت كافية لإزهاق روحه، صدمة لأسرته قبل زملائه في العمل بولاية أمن فاس، الذين لم يتوقعوا أن ينتحر لهدوئه النفسي وطيبوبته.
ذات زوال في يوم ربيعي من بداية هذا القرن، توجه الشرطي إلى منزل أسرته وتناول وجبة الغذاء مع أقاربه، قبل أن يعود أدراجه إلى مقر عمله، دون أن يثير الشكوك حوله لتعامله الطبيعي مع أبنائه وزوجته التي لم يكن له معها أي مشاكل. لكنه لم يعد في تلك الليلة إلى منزله الذي حفظ أسراره وعلاقته الحميمية بعائلته، ما استنفر الجميع للبحث عنه، دون أن يتوقعوا انتحاره.
كانت المفاجأة كبيرة حين العثور عليه ميتا غير بعيد عن مقر ولاية أمن فاس، بمكان في ملعب الخيل، المتنفس والفضاء الجميل الذي شكل وجهة أهل فاس ورياضييها وأجهزت عليه البنايات الإسمنتية. ذهل الجميع لذلك، فيما تناسلت الأسئلة حول ظروف وملابسات الانتحار غير الوارد، خاصة أمام تداول اسمه متهما في ملف “شهادة العزوبية”، بشكل غير مؤكد.
في تلك الفترة كانت الأبحاث جارية في الملف لتحديد الجهات التي تورطت وسهلت حصول تلك الفتاة المدللة على شهادة عزوبة حاولت استعمالها للهجرة إلى الخليج العربي، قبل أن يتم اعتقالها وشركاؤها وإدانتهم في ملف طوي نهائيا، دون أن يندمل جرح عائلة الشرطي الذي تضاربت الآراء حول ما إذا كان الأمر انتحارا أو “شيئا آخر” فيه “إن”.
المهم أن الشاب الذي رزأت عائلته في فقدانه، كان ضمن أفراد الشرطة الأوائل الذين دونت أسماؤهم ضمن قائمة المنتحرين، قبل أن تستفحل هذه الظاهرة بشكل مثير وغريب يتطلب دراسات تستحضر الأسباب، وتسعى إلى العلاج بالطرق الممكنة والمتوفرة بما فيها تجربة المصحات المتوفرة على تخصص علم النفس، كما تلك المدشنة أخيرا بحي الشرطة قبالة مقاطعة أكدال بفاس.
ومن غير هذا الحادث تبقى مدينة فاس، شبه خالية من حوادث انتحار مماثلة لأفراد أمن عملوا بولاية الأمن أو بمختلف مناطقها الأمنية الأربع والدوائر التابعة لها، اللهم مما تداولته الألسن والمواقع الإلكترونية، من محاولة انتحار رجل أمن بالمجموعة الثالثة للتدخل السريع بالمدينة، في الأسبوع الأول من يونيو 2012، في خبر مر مرور الكرام، ودون لفت الانتباه إليه.
تلك الأخبار المتداولة حينئذ، تحدثت عن “حكرة” أحس بها الشرطي من قبل أحد رؤسائه الذي ذكر باسمه، الذي وجه إليه أصبع الاتهام بالتعسف، قبل أن يقدم ليلا وداخل الثكنة الواقعة على الطريق الرئيسية بحي الدكارات المجاور لمحطة القطار أكدال، على وضع حبل في عنقه في انتظار الشروع في شنق النفس. لكن تدخل زميله حال دون ذلك وأنقذه من موت محقق.
الروايات المتداولة تحدثت عن إصرار الشرطي على محاولة الانتحار باستعمال حبل، فيما لم يجد زميله من سلاح غير الصراخ وطلب النجدة من باقي عناصر التدخل السريع بالثكنة. ونجح الزملاء في إقناع الضحية بالعدول عن فكرته وإنزاله ونزع الحبل من عنقه. وهو الحادث الذي فتح في شأنه بحث تجهل نتائجه وتلك الحقائق التي قد يكون كشف عنها. قد تكون الضغوط النفسية وراء محاولة هذا الشرطي الانتحار، بنفس درجة الاحتمال المتعلق بظروف العمل وحيثياته وصعوبته، بالنظر إلى ساعاته التي قد تطول أو تقصر حسب يوميات الثكنة والتدخلات خارجها، ما يجب الالتفاتة إليه بالدراسة لتجنيب من وضعت على عواتقهم، مسؤوليات استتباب الأمن بالشارع، السقوط قتلى وضحايا انتحارات استفحلت في صفوفهم

s_fesnews