دقت فعاليات ومهتمون بقطاع الإسكان والتعمير بفاس، ناقوس الخطر حيال واقع البناء المهدد بالانهيار بالمدينة العتيقة وجماعة فاس الجديد المشور، معترفين بفشل برامج سابقة لم تنجح في استئصال الظاهرة
التي تجعل من عشرات المنازل العتيقة، قبورا فوق رؤوس قاطنيها من أسر لا حول ولا قدرة لها على إيجاد بدائل لمساكن تعرف خطورتها الواضحة على حياتها.
«فرص كثيرة ضيعناها على فاس، رغم الإمكانيات الضخمة المرصودة».. عبارة فصيحة قالها برلماني في تعليقه على برامج معالجة البناء المهدد بالسقوط بفاس العتيقة، التي لم ترق إلى مستوى التطلعات رغم جهود الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس، وضخامة المشاريع المرصودة منذ عقدين، لكن الأمل يبقى معقودا على مشروع هام أطلقه جلالة الملك في زيارته الأخيرة.
صب متدخلون في ختام لقاء حول معالجة البناء المهدد بالسقوط بالمدينة العتيقة بفاس، نظمته اللجنة المحلية للتتبع والتنسيق بولاية فاس صباح الأربعاء 29 ماي الماضي، بقصر المؤتمرات، جام غضبهم على كل من عهد إليهم تدبير إنقاذ هذا الهرم المعماري من كارثة إنسانية وشيكة، ممن تمنى البرلماني نفسه من الله أن يسامحهم على ما فعلوه بالمدينة.
وقال حسن بومشيطة، برلماني «البيجيدي»، في تدخله، إن جهات لم يسمها «ضيقت» على جهود الوكالة الحضرية لإنقاذ النسيج العتيق، محييا صمودها رغم معاناتها، مطالبا بالبحث عن إمكانيات جديدة لبلورة تدخل شامل والتنقيب عن جهات ممولة لإنقاذ التراث العالمي الإنساني الذي تزخر به فاس العتيقة، بما في ذلك المساجد وأملاك الأوقاف.
وأوضح بومشيطة أن مثل هذه التدخلات يجب أن تكون مسبوقة بمحو كامل لـ300 «خربة» داخل أسوار فاس العتيقة لتسهيل التدخل وضمان نجاعته، خاصة بالنظر إلى أهمية الاتفاقية الموقعة بحضور جلالة الملك، واصفا بعض مكاتب الدراسات بـ «الاسترزاق».
ودعا إلى اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية في ما يخص الدور المهملة، وإعادة إيواء المنازل المستهدفة بالتدخل.
وسار زميله الاتحادي محمد عامر، في الاتجاه ذاته، مستغربا سر استثناء تصميم التهيئة لهذا النسيج العتيق، بينما كشفت تدخلات أخرى حقائق صادمة حول برامج الإنقاذ لمحو ظاهرة الدور المهددة بالانهيار التي «لا تشكل إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد»، في حين أن الإشكالية الحقيقية للمدن التاريخية، تكمن في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والعقارية والمسطرية.
وجاء في استنتاج مذكرة تأطيرية للندوة، أن البناء المهدد بالانهيار، يعتبر «النواة المركزية لإشكالية رد الاعتبار للمدن التاريخية»، إذ أنها تظهر على مستوى النتائج والانهيارات، مؤكدة ضرورة التدخل المباشر للسلطات على المدى القريب والمتوسط، مستدركة أنه «يصعب استمراره على المدى البعيد»، ملحة على لزوم توفير ميكانيزمات لضمان استمرارية التدخل.
إحصائيات وأرقام مخيفة
تشير إحصائيات الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس إلى وجود 3666 بناية مهددة بالانهيار، بينها 1729 بناية من الدرجة الأولى و941 و996 بناية تباعا من الدرجتين الثانية والثالثة، مؤكدة أن 143 بناية منها تحتاج إلى الهدم، بباب الخوخة واللمطيين والبليدة والمرينيين، والبقية بالأندلس والبوعنانية والبطحاء وفاس الجديد والقرويين.
وقال فؤاد السرغيني، مدير الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس، في عرضه التقديمي للقاء حول «برنامج معالجة البناء المهدد بالسقوط»، إن 3523 بناية محتاجة إلى تقوية 2982 منها بالمدينة العتيقة، و541 بجماعة فاس الجديد المشور، مؤكدا أن 1525 بناية من الدرجة الأولى توجد بأحياء بقلب المدينة القديمة التي تحوي 747 و821 بناية تباعا من الدرجتين الثانية والثالثة.
المسؤول نفسه قال إنه تم بعد إنشاء الوكالة إنجاز 2804 تدخلات 1518 و713 منها بموجب اتفاقية وقعت في 2004 و2007 همت التدعيم والتدخلات الاستعجالية، مؤكدا أنه تم بين 1993 و2004، إنجاز 573 عملية همت 132 منها إصلاح السقوف و50 عملية لتنقية الخرب، مقابل التدخل كليا في 257 عملية وتقديم إعانات بنسبة 30 في المائة في 134 حالة.
وتحدث عن مخاضات ودروس استفادت منها الوكالة في مختلف التدخلات، مؤكدا أن ظاهرة البناء المهدد بالانهيار «خطيرة أخطر مما يتصور»، خاصة أن هذا النسيج يوجد في بؤر الفقر والهشاشة الذي «يعتبر مشكلا رقم 1» بالنظر إلى أن 70 في المائة من قاطني تلك الدور يكترونها بأقل من 300 درهم شهريا، ويعيشون في أقل من 20 مترا مربعا، ولا بديل لهم عنها.
وقال السرغيني إنه رغم أهمية هذه الأرقام، فهي غير كافية بالنظر إلى الخطر المحدق بهذا النسيج العمراني العتيق، و«يجب توفير السلامة للمواطنين»، دون أن ينكر مراكمة مكتسبات في ظل الانخراط التدريجي للمجتمع المدني، متمنيا إنجاز 300 تدخل سنويا، رغم ما يعترض التدخلات من عراقيل في المساطر القانونية للفضاء المهدد بالسقوط.
تحويل النسيج إلى فضاء جذاب
ألح المتدخلون في اللقاء على ضرورة تحويل وتطوير النسيج التاريخي إلى فضاء جذاب للعيش والسكن وتطوير الأنشطة المنسجمة والمندمجة، وعدم القبول بتغيير هذا النسيج إلى فضاء نخبوي بأنشطة مصطنعة، ووضعه في مركز خلق الثروات، وتحسين الولوج إليه وربطه بالفضاءات العمرانية التي تحيط به ورفع مستوى التجهيزات العامة والخاصة.
ورأوا أن تدخل السلطات العمومية يجب أن يركز على المشاريع المهيكلة وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، ما يحتم محاربة ظاهرة البناء المهدد بالانهيار، في إطار نظرة شاملة واستراتيجية لرد الاعتبار للأنسجة التاريخية، فيما يمكن لهذه التدخلات أن تندرج في البرامج المحلية مدعومة من القطاعات الوزارية المعنية، مع اتخاذ الإجراءات لتجنب وقوع كوارث.
وقال محمد الدردوري، والي فاس، في كلمته الافتتاحية لهذه الندوة، إن التدخلات يجب أن تشمل التعاطي مع إشكالية هذا البناء خاصة بالمدينة العتيقة وفاس الجديد المشور، دون نسيان الجانب الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للسكان القاطنين، مؤكدا أن «حجم العمل كبير ويتجاوز الإمكانيات المحلية».
وتحدث عن غلاف مالي مهم رصد للاتفاقية الموقعة أمام جلالة الملك في 4 مارس الماضي، والمتعلقة بمعالجة البناء المهدد بالانهيار، داعيا إلى توسيع الحوار مع كل الأطراف لإنجاح هذا المشروع الملكي، عوض الاعتماد على المقاربة الكلاسيكية المعتمدة في مشاريع وبرامج سابقة منذ ظهور برنامج إنقاذ فاس قبل نحو عقدين على ميلاد الوكالة المختصة.
ودعا باقي المشاركين في اللقاء إلى التقليص النسبي من الأخطار التي يشكلها هذا النسيج العمراني المهدد، دون أن ينكروا عدم تمكن البرامج السابقة من السيطرة عليه كاملا أو إيقاف ظاهرة التدهور، اللهم من مبادرات مكنت من إنجاز أكثر من 3500 عملية متنوعة استعجالية وتدعيمات وتقوية الهياكل عن طريق مساعدات مباشرة أو تدخل مباشر.