الملك عبد الله الثاني: هناك فئة تسعى لزعزعة استقرار المملكة

    قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إنه يعمل مع الدول العربية والمجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السورية، لافتا في الوقت نفسه إلى أن بلاده قادرة على «اتخاذ الإجراءات اللازمة» في حال شكلت هذه الأزمة خطرا عليها. وشدد الملك عبد الله الثاني على أن المملكة الهاشمية ترفض أن يكون «مستقبل الشباب الأردني رهينة العنف».
    عمان- أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن بلاده مستعدة لحماية نفسها من أي تهديد لأمنها جراء الصراع في سوريا المجاورة. وقال الملك خلال حفل تخريج فوج ضباط «جامعة مؤتة السادس والعشرين» إن المملكة تعمل على المستويين الإقليمي والدولي لحل الأزمة السورية ومن ثم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
    وقال الملك عبدالله إن ما نسمعه في بعض الأحيان عن الكونفدرالية مع الفلسطينيين «هو حديث في غير مكانه ولا زمانه ولن يكون هذا الموضوع مطروحا للنقاش إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وبإرادة الشعبين والدولتين». وأضاف أن أي حديث حول هذا الموضوع «ليس في مصلحة الفلسطينيين والأردنيين»، واصفا الحديث عن الوطن البديل أو توطين الفلسطينيين بأنه «مجرد أوهام»، مؤكدا «إننا لن نقبل تحت أي ظرف من الظروف حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن». وقال الملك الأردني إن «هذا من ثوابت الدولة الأدنية التي لن تتغير».
    وقسّم العاهل الأردني التحدّيات التي تواجهها المملكة الهاشمية إلى قسمين، الأولى تحدّيات داخلية، وهذه حلّها بأيدي الإيرانيين، وتحدّيات مفروضة نتيجة الظروف الإقليمية والأزمات العالمية، وهذه يجب أن يتعامل معها الأردنيون بحكمة ومسؤولية، «وضمن المعطيات والظروف الإقليمية والعالمية، التي فرضتها علينا من الأساس، وضمن إمكانياتنا المحدودة».
    التحديات الداخلية
    من التحديات الداخلية، على سبيل المثال، محاولات البعض التشكيك بمدى نجاح مسيرة الإصلاح السياسي، نتيجة عدم الاستيعاب وسوء التفسير لما يرافق عملية التحول الديموقراطي من قلق، وجدال، ومناكفات بين مختلف التيارات والتوجهات السياسية أو الفكرية أو الحزبية. وهذا أمر طبيعي ومتوقع، وهو جزء من أي عملية تغيير في مختلف دول العالم. وهو ظاهرة صحية وضرورية لترسيخ ثقافة الحوار الديموقراطي البناء والعمل السياسي الفاعل.
    والمهم هنا هو أن يواصل الأردنيون هذه العملية ويبنوا عليها، دون خوف ولا تردد، فإرادة التغيير الإيجابي موجودة وراسخة، وهناك المؤسسات الوطنية القادرة على ترجمة هذا التغيير على أرض الواقع، وفق خارطة الطريق الواضحة المعالم، وعلى أساس تكامـل الأدوار بين جميع مكونـات نظامنا السياسي.
    وخارطة الإصلاح السياسي واضحة: وهي إنجاز الـمحطات الديمقراطية والإصلاحية الضرورية للوصول إلى حالة متقدمة من الحكومات البرلمانية، على مدى الدورات البرلمانية القادمة، والقائمة على أغلبية نيابية حزبية وبرامجية، توازيها أقلية نيابية تشكل معارضة بناءة، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب، وتطرح برامج وسياسات بديلة، بحيث يترسخ دور مجلس النواب في بلورة السياسات وصناعة القرار، بالإضافة إلى الرقابة والتشريع.
    والوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة يتطلب المزيد من النضوج السياسي، ومأسسة العمل الحزبي، وتطوير آليات العمل النيابي، وبما يزيد من مؤسسية عمل الكتل النيابية، ومن خلال الاستمرار في تطوير قوانين الأحزاب والانتخاب مع كل دورة انتخابية، بما يجعلها أكثر تمثيلا وتمكينا للحكومات البرلمانية، وكل هذا في إطار نظام نيابي ملكي وراثي ووفق الدستور. وهذا النهج الإصلاحي يتطلب أن يكون الجهاز الحكومي على أعلى درجات الاحتراف والكفاءة، وليس عرضة للتأثيرات السياسية أو الانحياز الحزبي، وإنما يعتمد على أسس الجدارة والمهنيـة والحياد، مـن خلال ثورة بيضاء مستمرة وشاملة، والاستمرار في تعزيز منظومة النزاهة الوطنية.
    وسيتطور دور الملكية بالتوازي مع إنجاز هذه المحطات الإصلاحية، وستركِّز على حماية قيم الديموقراطية والتعددية والـمشاركة السياسية وحماية وحدة النسيج الاجتماعي وتمكين المؤسسات الوطنية من تولي مسؤوليات صناعة القرار، ونحن مستمرون في تعميق هذا النهج، وسأبقى الضامن لمسيرة الإصلاح.
    والمهم هنا أن يدرك الجميع أن الـهدف من الإصلاح، هو تغيير حياة المواطن نحو الأفضل، وأن نجاح العملية الإصلاحية يعتمد على مدى إيماننا بها، وبأهميتها لمستقبلنا، وضرورة العمل بروح الفريق الواحد، لضمان نجاحها بالرغم من كل المعيقات التي ستواجهنا.
    ومن التحديات الداخلية أيضا، ما شهدناه في الآونة الأخيرة من بعض حالات العنف في مجتمعنا بشكل عام، وفـي بعض جامعاتنا، التي أودت بحياة عدد من أبنائنا، يرحمهم الله ويصبّر أهلهم. أحداث العنف التي طالت الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، أمر غير مقبول وغير مبرر على الإطلاق، وهو غريب على قيمنا وعاداتنا وثقافتنا، ولا يمكن السكوت على هذا الأمر. ليس هذا هو المجتمع الأردني، ولا هذه هي الدولة الأردنية.

    دور العشائر
    لا يمكن أن نقبل أن يكون مستقبل شبابنا رهينة لظاهرة العنف، لأن مستقبل الشباب هو مستقبل الأردن. والسؤال يا إخوان: هل هذه حالات فردية معزولة، أم هي ظاهرة لها أسباب وجذور أعمق بكثير؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى العنف، وأحيانا الانغلاق على هويات فرعية، أو جهوية، أو عائلية؟
    الشعور بغياب العدالة، وعدم تكافؤ الفرص يؤدي إلى الإحباط والشعور بالظلم، وبالتالي يؤدي إلى العنف. ومن جهة أخرى، التهاون في تطبيق القانون والنظام العام على الجميع، أو غياب العدالة والمساواة في تطبيق القانون، تؤدي إلى انعدام ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، واللجوء إلى العنف حتى يأخذ المواطن حقه بيده، أو للتطاول على حقوق الآخرين.
    والحل ليس بمعالجة هذه الأحداث ومعاقبة الذين قاموا بها وحسب، الـحل في معالجة الظاهرة من جذورها: تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية في كل الـمحافظات، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، وترسيخ الحاكمية الرشيدة للدولة، وتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية بمشاركة القواعد الشعبية، وتطبيق القانون على الجميع دون تهاون، ولا تردد، ولا محاباة. هذه كلها تعزز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وتعزز احترامه للقانون، وتعزز ثقته بأن حقوقه وكرامته لا يمكن لأحد أن يعتدي عليها. والدولة بمؤسساتها هي الجهة المختصة بتطبيق القانون والحفاظ على النظام العام، وعلى حقوق الناس وممتلكاتهم.
    وليس من حق أي جهة أن تظن أنها فوق القانون، وأنا واثق أن كل مواطن أردني يدعم كل مؤسسة معنية بتطبيـق القانون، إذا شعـر أنها تطبـقه بعدالة ومساواة وشفافية.
    هناك من يدعـي أن مظاهر العنـف سببها الثقافة أو البنية العشائرية. لا، ثقافتنا وبنيتنا العشائرية الأصيلة لا تقبل العنف، ونحن كلنا أبناء عشائر من كل المنابت والأصول، سواءً كنا في البادية، أو في القرية، أو المدينة، أو المخيم، وهذا مصدر قوتنا ووحدتنا الوطنية، وأحد أهم أسباب الأمن والاستقرار في مجتمعنا. ولم تكن العشيرة أو العائلة، في أي يوم من الأيام، سببا في الفوضى أو العنف أو الخروج على القانون، كما يظن من لا يعرفون المعنى الحقيقي للعشيرة أو طبيعة المجتمع العشائري.
    بالعكس، العشيرة ساهمت بشكل رئيسي في تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، كدولة مؤسسات وقانون، والعشيرة كانت وستبقى رمزا للنخوة والقيم الأصيلة والانتماء للوطن والحرص على الأمن والاستقرار وسيادة القانون. وأنا – عبدالله بن الحسين – أعتز بالعشائر الأردنية، لأنها أهلي وعشيرتي الكبيرة.
    هناك فئة قليلة حاولت الصيد في الماء العكر، وإشاعة الفوضى واستغلال أجواء الانفتاح والحرية، تعتقد أن المرونة والحكمة والصبر، الذي تعاملت بها بعض مؤسسات الدولة في المرحلة الماضية، هي نوع من الضعف. الأردن قوي وقادر على حماية أرواح وممتلكات أبنائه، وقادر في أي لحظة على فرض سيادة القانون، ولا يوجد أحد أقوى من الدولة. لكن، نحن دولة حضارية قائمة على مبدأ العدالة وسيادة القانون، واحترام حرية وكرامة الإنسان.
    التحديات الإقليمية
    أما بالنسبة إلى التحديات الإقليمية، وأهمها الآن الأزمة في سوريا الشقيقة، فقد فرضت علينا معطيات صعبة جدا، ولكنها أصعب بكثير على الأشقاء السوريين، وخاصة الذين أجبرتهم الظروف على ترك بيوتهم وأرضهم ونزحوا إلـى دول الجــوار. ومسؤوليتنا تجاه أشقائنا هي مسؤولية أخلاقية… صحيح أن هذا يرتب علينا مسؤوليات وتضحيات كبيرة، ولكن الأردن والأردنيين كانوا دائما في مستوى التحدي، ونصروا إخوانهم في العروبة والدين والإنسانية، والشعوب الشقيقة التي نساعدها والعالم لن ينسى مواقفنا المشرفة. وعلى الصعيد السياسي، فنحن نعمل بكل إمكانياتنا بالتعاون والتنسيق مع الأشقاء العرب، والمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية من أجل إيجاد حل سياسي يحافظ على وحدة سوريا واستقرارها، ويضمن عمل مؤسسات الدولة السورية في رعاية مواطنيها، لتشجيع الإخوة اللاجئين السوريين، ليس في الأردن فقط بل في جميع دول الجوار، على العودة إلى بلدهم. ومن جهة ثانية، العمل من أجل توفيـر الدعم المالي الدولي لتكاليف استضافة هؤلاء اللاجئين.
    وفي كل تعاملنا مع الأزمة السورية، كانت حماية مصالح الأردن وشعبنا هي هدفنا الأول والأخيـر. أما إذا لم يتحرك العالم، ويساعدنا في هذا الموضوع كما يجب، أو إذا أصبح هذا الموضوع يشكل خطرا على بلدنا، فنحن قادرون في أية لحظة على اتخاذ الإجراءات التي تحمي بلدنا ومصالح شعبنا…
    أما القضية الفلسطينية، وهي القضية المحورية في المنطقة، فما زالت على رأس أولوياتنا، وسنستمر في دعم أشقائنا الفلسطينيين حتى يقيموا دولتهم المستقلة على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، وسنبقى على الدوام نقوم بواجبنا التاريخي والديني بالتنسيق مع أشقائنا الفلسطينيين، والمنظمات والهيئات الدولية لحماية ورعاية الـمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، ودعم صمود أشقائنا على أرضهم من خلال استغلال كل الوسائل المتاحة للأردن.
    الكونفدرالية
    ما نسمعه في بعض الأحيان من حديث عن الكونفدرالية أو غيرها، هو حديث في غير مكانه ولا زمانه، ولن يكون هذا الموضوع مطروحا للنقاش، إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تماما، وبإرادة الشعبين والدولتين، وأي حديث في هذا الموضوع قبل ذلك، فهو ليس في مصلحة الفلسطينيين ولا الأردنيين.
    أمّا الحديث عن الوطن البديل أو التوطين أو الخيار الأردني، والذي تحدثنا عنه أكثر من مرة، فهو مجرد أوهام، والأردن لن يقبل، تحت أي ظرف من الظروف، بأي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهذا من ثوابت الدولة الأردنية، التي لن تتغير. نريد أن نتخلص من هذه الإشاعات.
    التحديات التي تواجهنا كبيرة. وهي تحتاج إلى تعاون الجميع، وشعبنا مستعد لتحمل الأعباء ما دامت موزعة بعدالة على الجميع، وتاريخنا يشهد بأننا نستطيع إنجاز الكثير بالقليل. وهنا أدعو جميع مؤسسات الدولة للتعاون فيما بينها، وبالشراكة مع القطاع الخاص والأهلي ومؤسسات المجتمع المدني، وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبنا لمواجهة هذه التحديات.
    وبتعاون الجميع، وبالهمة العالية وبالعمل المخلص والشعور بالمسؤولية، نستطيع أن ننتصر على كل التحديات كما انتصرنا في الماضي على تحديات أكبر منها، وسيظل الأردن والأردنيون دائما في الطليعة.