رئيس إيران الجديد مصلح لكن بشروط المرشد الأعلى

هل يسير روحاني على خطى خاتمي ويصلح بين إيران والعرب؟
يرى المراقبون أن فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية يسمح بعودة المعتدلين والإصلاحيين إلى الساحة السياسية بعد أن خضعوا منذ سنين عدة لضغوط غير مسبوقة، إلا أن ذلك سيكون تحت نظر المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي الذي أثبت مجددا أنه صاحب المرجع الأول والأخير في اختيار رئيس إيران الذي لن يخرج عن طوعه.
لندن- لا يتعدّى الاستقبال الذي حظى به الرئيس الإيراني الجديد المعتدل، حسن روحاني، من قبل الدول العربية والغربية، البروتوكولات الدبلوماسية بين الدول، فلا مؤشّرات تغيير يحملها انتخاب روحاني، الذي حمل شعار المفتاح، وعبر خلال حملته الانتخابية على دعم تحسين العلاقات مع الدول العربية المجاورة وخصوصا مع المملكة العربية السعودية.
من الممكن أن يساعد انتخاب رئيس إيراني معتدل على تحجيم العداء بين طهران والدول العربية المجاورة لكن الكثير من العرب يشكون في قدرته على إنهاء الصراع الطائفي الذي أذكى الحرب الدائرة في سوريا مثلما يشكون في تغير سياسة إيران العدائية مع جيرانها.
لن يكون لدى الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، المعروف بأسلوبه التصالحي والمدعوم من الإصلاحيين، الكثير من النفوذ في السياسة التي يحددها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي لكن في ظل الصراع الدائر في سوريا والذي يذكي الغضب لدى الدول العربية السنية في أنحاء المنطقة فإن أية بادرة من طهران من الممكن أن تحتويه.
قال سفير بجامعة الدول العربية في القاهرة “نتمنى أن يكون الرئيس الإيراني الجديد مؤمنا بالحل السياسي في سوريا… ومؤمنا بتطلعات الشعب السوري في الحرية والتغيير وأن تكون إيران عنصرا للحل ومساعدا على الخروج من الأزمة.” ومضى يقول “جميع المعلومات الني نقرأها عن روحاني المرشح المدعوم من المعتدلين قد تدعو إلى الأمل لكن هناك فارقا كبيرا بين الحملات الدعائية وخطاب المسؤولية عندما يصبح رئيسا”.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة والقوى الغربية – التي هي على خلاف مع إيران منذ عشرات السنين وتحتشد الآن بالسلاح وراء مقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران – فإن الصراعات الدينية الشديدة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط تزيد من مخاوف حدوث اضطرابات أوسع نطاقا.
أفضل نتيجة
في المملكة العربية السعودية، التي تقود حملة للتصدي للمد الشيعي في المنطقة، قال المحلل جمال خاشقجي “أنا متأكد أنه بالنسبة إلى القيادة السعودية فهذه هي أفضل نتيجة للانتخابات.” وذكر أن محمد خاتمي، آخر رئيس إصلاحي لإيران الذي زار الرياض عندما كان رئيسا للبلاد خلال الفترة من 1997 إلى 2005، أصلح العلاقات لكن في وقت كانت فيه النزاعات أقل حدة. وقال خاشقجي “إيران لم تكن تتدخل بشكل مكثف في سوريا والبحرين واليمن… لم يكن هناك شيعة يقتلون سنة”.
وفي سوريا حيث يحارب الكثير من مقاتلي المعارضة من السنة قوات الأسد ومؤسسته العلوية لا يعلق نشطاء المعارضة أملا كبيرا على روحاني في التغيير.
وقال عمر الحريري من درعا “الانتخابات شكلية.” ويرى محمد الحسيني، من فصيل أحرار الشام في الرقة، أن السلطة الفعلية في يد الزعيم الأعلى خامنئي مضيفا “السلطات الممنوحة للرئيس الإيراني ضعيفة هذه الأيام… إنها سلطات زائفة”.
وفي البحرين، التي تتهم أسرتها السنية الحاكمة، إيران بإذكاء الاحتجاجات بين الأغلبية الشيعية في البلاد منذ عام 2011 قالت وزيرة الإعلام سميرة رجب “أعتقد أن روحاني فرد في فريق. وأي أحد يأتي من ذلك الفريق سيواصل السياسة ذاتها… لم تعد لدينا ثقة في النظام الإيراني بعد ما حدث في البحرين”.
وفي مصر، وهي أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، بدأ النظام الحاكم الجديد بقيادة جماعة الاخوان المسلمين يتقرب من إيران لكنه انضم الآن إلى دعوة من أهل السنة للجهاد في سوريا بعد أن أرسل حزب الله اللبناني مقاتليه إلى سوريا في الشهر الماضي.
وما زالت جماعة الإخوان، الأكثر انفتاحا من النظام الحاكم في السعودية، تأمل في تحقيق التغيير في طهران. وقال مراد علي، وهو متحدث باسم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، “نتطلع لنرى كيف سيتصرف المرشح الفائز.” مضيفا “هل سيكون هناك تغيير في السياسات من الإيرانيين خاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية؟ نحن بصفة عامة نقبل التعاون مع إيران… لكن لدينا مخاوفنا… المرتبطة… بتدخلها في الشؤون السورية”.
لكن في شوارع القاهرة ارتفعت بشدة المشاعر الطائفية مما مثل ضغطا على مصر وحكام عرب آخرين. وخارج الجامع الأزهر، الذي أنشئ قبل ألف عام إبان الدولة الفاطمية الشيعية، قال عامل البناء محمد عبد الستار (35 عاما) “كل المصريين يكرهون إيران بعد ما حدث في سوريا. ما يحدث هناك الآن هو أن الشيعة يقتلون السنة”.
وقال عبد العزيز درويش (57 عاما) إنه لا يتوقع الكثير من التغيير في إيران مضيفا “كل الإيرانيين سواء…الشيعة أكثر خطرا من اليهود”.
لكن مجموعة من رجال الدين اللبنانيين من السنة الذين زاروا الجامع الأزهر لحضور المؤتمر الذي دعا إلى الجهاد في سوريا أبدت أملا أكبر في التغيير على يد روحاني.
وقال الشيخ حسن عبد الرحمن، من مدينة طرابلس التي شهدت في الآونة الأخيرة قتالا بين السنة والشيعة، إن الرئيس الإيراني الجديد ربما يكون أفضل. وذكر الشيخ مالك جديدة، وهو من طرابلس أيضاـ أنهم جاؤوا إلى مصر ليبلغوا مرسي برفضهم لممارسات إيران في سوريا لكنهم يعملون من أجل السلام لكل الأديان.
وأدت فظائع طائفية في سوريا والظهور الواضح لحزب الله في الصراع السوري إلى تحقيق درجة غير معتادة من الوحدة بين الحكومات العربية الرئيسية بعد موجة من الانتفاضات التي هزت المنطقة.
وبالنسبة إلى الشيعة الذين يعيشون في دول أغلبها من السنة وكثيرا ما يشكون من اتهامهم بالعمالة لإيران فإن أي تخفيف للتوتر سيكون موضع ترحيب بالنسبة إليهم. وقال خليل إبراهيم المرزوق، من حزب الوفاق البحريني المعارض الذي يتحدث باسم الكثير من الشيعة، إن الانتخابات ربما تحسن العلاقات في أنحاء منطقة الخليج مما سيساعد الشيعة. وقال “عندما تتحسن العلاقات تنعدم مبررات الحكومة في حرمان شعب البحرين من حقوقه”.

خاتمي آخر
قال خليل العناني، وهو زميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن وموجود حاليا في القاهرة، إن قدرة روحاني على دفع القيادة الإيرانية للتخفيف من مواجهتها مع دول سنية في المنطقة ليست واضحة لكنها ذات أهمية حيوية.
وقال “إصلاح علاقات إيران بالعرب سيتطلب من روحاني أن يضمن دعما قويا من مراكز القوى المهمة في إيران… وهذا غير مرجح على المدى القصير.” وتابع “السؤال عما إذا كان روحاني قادرا على أن يكون خاتمي آخر مهم وحيوي لكل من إيران والعرب”.
واهتم روحاني في برنامجه بإصلاح العلاقات الخارجية لإيران واقتصاد البلاد الذي أضرت به العقوبات ودعا إلى وضع ميثاق للحقوق المدنية.
وساهم ذلك في جذب عدد كبير من الإيرانيين الذين يحرصون على تعددية سياسية أوسع في الداخل وإنهاء عزلة الجمهورية الإسلامية في الخارج. وبفضل عمله كمفاوض يسعى إلى التوفيق بين الأطراف انتزع روحاني أصوات الناخبين من الداعين للإصلاح ممن كممت أفواههم طيلة سنوات كما أنه يستطيع التعاون جيدا مع خامنئي نظرا لسجله النظيف في المؤسسة الدينية الإيرانية.
وضعفت قبضة خامنئي في 2009 حين نزل ملايين الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج بسبب مزاعم تزوير نتائج الانتخابات التي منحت أحمدي نجاد فترة ولاية رئاسية ثانية من الجولة الأولى. وأخمدت قوات الأمن الاحتجاجات التي استمرت عدة أشهر وسقط خلالها قتلى.
وكان يعتقد أن خامنئي – صاحب القول الفصل في السياسات المهمة للدولة مثل الأمن والبرنامج النووي – يرغب في أن يكون الفوز من نصيب متشدد موال له على أن يكون ساحقا بما لا يدع أي مجال للشك هذه المرة. غير أن تريتا بارسي، المحلل الإيراني المقيم في الولايات المتحدة، ذكر أن فوز روحاني المدوي أظهر أن ميزان القوة الجديد في إيران بات أكثر تعقيدا مما كان يعتقد البعض.
مسرحية هزلية
أغلب الآراء تتفق على أن انتخاب حسن روحاني، لن يحمل معه كثيرا من التغيير المأمول حدوثه في إيران، فالرئيس الجديد لم يخرج عن سلطة المرشد، وكغيره من الرؤساء الذين تسلموا هذا المنصب منذ قيام ثورة الخميني سنة 1979، لا يتمتع بسلطة مطلقة ولا رأي له فوق رأي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
و”انتخاب روحاني مسرحية هزلية أنهيت بسرعة خوفا من انتفاضة شعبية”، حسب تعليق رئيسة المعارضة الإيرانية في المنفى مريم رجوي على نتيجة الانتخابات. وقالت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إن “مسرحية الانتخابات الرئاسية في نظام الملالي انتهت في أسرع وقت في الدورة الأولى بنسبة هزلية 72 بالمئة خوفا من الانتفاضة الشعبية”.
وأضافت أنه “بهدف تفادي الانتفاضة الشعبية وتجديد أحداث وقعت قبل أربعة أعوام، فإن النظام الإيراني قد أنهى لعبة الانتخابات على وجه السرعة وفي الدورة الأولى، وتطبيقا لدأبه الدائم قد ضاعف ما بين أربع وخمس مرات في غرفة سوداء باسم +غرفة تجميع الأصوات+، وادعى أن ما يقارب الـ72 ٪ من الناخبين، قد شاركوا في هذه الانتخابات اللاشرعية”.
وأضافت أن “ظهور الملا روحاني، الشخص الذي كان مشاركا في جميع جرائم النظام منذ البداية، في هيئة شخص “معتدل” لا ينطلي على أحد.
ولا يمكن إنكار دوره في قصف قواعد مجاهدي خلق في العقد التسعين من القرن الماضي وأيضا إطلاق ألف صاروخ في 18 نيسان-أبريل 2001″.
قالت رجوي إن “روحاني كان لمدة 16 عاما رئيس المجلس الأعلى لأمن النظام، وكان من مؤسسي تشكيلة الملالي التابعة للمرشد الأعلى علي خامنئي باسم “مجمع رجال الدين المناضلين”، وهو في الوقت الحالي ممثل لخامنئي في المجلس الأعلى لأمن النظام. كما إنه عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، ونائب في مجلس الخبراء ورئيس مركز البحوث الإستراتيجية في نظام الملالي”.
وأكدت أنه “من دون وجود حرية التعبير وحقوق الإنسان، وقبل الإفراج عن السجناء السياسيين وحرية الأحزاب، وبينما تستمر سياسة اعتداء النظام الإيراني على العراق وسوريا وبينما يصر النظام على الحصول على القنبلة النووية، فلا تغيير هناك ولن يتغير أي شيء. ويعرف زعماء النظام بشكل جيد أن أي تغيير جاد في هذه السياسات سيؤدي إلى سقوط النظام بكامله”.
روحاني يتطلع إلى تحسين العلاقات مع الغرب
طهران – خلال أقل من شهرين سينتقل حسن روحاني من منزله الخاص في شمال طهران إلى مكتب الرئاسة، مع أن قلة من المراقبين كانوا يظنون أنه من الممكن حدوثه أي عودة إصلاحي إلى أرفع ثاني منصب في البلاد.
بعد ثماني سنوات من حكم المتشدد محمود أحمدي نجاد، فإنه من المرجح أن يقوم الرئيس الجديد بإحداث تغيير حقيقي في كل من السياسة الداخلية والخارجية.
ويريد كبير المفاوضين النوويين السابق في البلاد إنهاء عزلة بلاده الدولية.
ويعرفه الغرب بشيء واحد: في ظل قيادته (للملف النووي)، أوقفت إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم لفترة وجيزة في عام 2005.
وكان شعار حملة روحاني “التعقل والأمل”. وارتدى مناصروه أساور معصم باللون الأرجواني، وهو لون حملته.
وكانت “موجة الأرجواني” إشارة إلى حملة الترشح غير الناجحة في عام 2009 للإصلاحي مير حسين موسوي. وأصبحت الاحتجاجات واسعة النطاق التي أعقبت إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثيرة للخلاف باسم “الحركة الخضراء”، حيث خرج معظم الشباب إلى الشوارع مرتدين ملابس بلون حملة موسوي.
وقد حظي روحاني بدعم رئيسين سابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني، كما حظي أيضا بدعم الملايين من الناس الذين لم يصوتوا له بل صوتوا ضد المؤسسة الدينية.
وشغل رجل الدين، الذي ولد في عام 1948 في مدينة سرخه بوسط إيران، منصب عضو في البرلمان لمدة 20 عاما، كما تولى منصب نائب رئيس البرلمان لمدة ثماني سنوات.
تم تعيينه سكرتيرا لمجلس الأمن القومي الأعلى في عام 1989. وفي عام 2003، عينه الرئيس خاتمي كبير المفاوضين النوويين.
وفي ظل تولي روحاني المسؤولية عن البرنامج النووي، كان للحكومة الدينية خلافاتها مع الغرب، لكن لم تكن هناك أزمة ولا عقوبات قاسية. إلا أن روحاني استقال بعد فترة وجيزة من تنصيب أحمدي نجاد في صيف عام 2005 بسبب خلافات عديدة مع الرئيس الجديد.
وانتقد روحاني بشدة سياسة أحمدي نجاد النووية في أول خطاب له كمرشح رئاسي.
وقال إنه لا ينبغي أن تُجرى المفاوضات النووية بطريقة تجر البلاد إلى براثن أزمة سياسية واقتصادية. وقال إن أحمدي نجاد لم يتقن أبدا فن الدبلوماسية، منددا بلغة خطابه “المتهورة” التي أوصلت البلاد إلى شفا الحرب.