عنوان عريض اختارته مجلة الوطن لمدير نشرها عبد الرحيم أريري لتزين به صدر صفحتها الأولى في عددها الأخير ، حيث تطرقت المجلة لقضية الحرب الباردة و الاستفزازات الجزائرية كل مرة و حين لجس نبض المغرب متسائلة في الأن نفسه إلى متى سيستمر صبر المغاربة ملكا و شعبا على التطاول الجزائري؟
الملف الساخن الذي تطرقت له المجلة و الذي أثار زوبعة كبيرة خاصة من حيث التضخيم الذي حملته اسطره و الداعي بشكل قوي إلى ضرورة توقيف الجارة عند حدها بتدخل حازم يعيد إلى الأذهان حرب الرمال و اجتياح الجزائر.
و أوردت المجلة ثلاثة اعتبارات كانت لابد أن تدفع النظام الجزائري إلى البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي تعيشه الطبقة الحاكمة هناك عملا بمبدأ تصدير الأزمة إلى الخارج، الذي هو المغرب بحكم الاشتراطات التاريخية الجيو ستراتيجية ، و أول هذه الاعتبارات وضعية الرئيس الحي-الميت الذي يحكم البلاد منذ شهور و هو على كرسي متحرك مع ما يتبع ذلك من تجاذبات الخلافة ضمن نسق سياسي مغلق لا يريد العسكر الجزائري أن يفوض السلطات فيه إلى الاختيار الديمقراطي.
أما الاعتبار الثاني فهو حالة الشلل التي تطبع البلاد ضمن محيط إقليمي تهدده وضعية تفتت الدولة في ليبيا و عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي و ما ينتج عن المنطقتين من مخاطر تدويل العمل الإرهابي الذي يمس مباشرة جنوب الجزائر.
و اضافت المجلة أن الاعتبار الثالث هو الوضع الداخلي الذي يتسم بانحسار الأفق العام على إيقاع الصراع القبلي العرقي في منطقة غرداية و بتأثير المعطى الجديد في الحياة الجزائرية ممثلا في انتفاضة رجال الأمن و هو أمر غير مسبوق حتى في الدول التي عرفت أكبر الاحتجاجات ضمن ما يعرف بـ “الربيع العربي” ، و لأن الحاكمين هناك لا يملكون مخارج ديمقراطية لتدبير هذه التجاذبات، فقد كان لا بد أن يصطنعوا أزمة ما في الجوار المغربي، تماما كما هو دأب السياسيين الجزائريين كلما انغلقت أمام اختيارات الداخل.
و انتقذت المجلة اختيار المغرب دائما فور كل استفزاز للغة الديبلوماسية و سحب السفير و هو امر لم يعطي مفعوله إذ ما زالت الاستفزازات كما هي ، و أضافت من الواضح أن المغرب باختياره هذا النوع من ردود الفعل، يكون منسجما مع سياسته الخارجية القائمة على إعطاء الأولوية إلى مبدأ حسن الجوار، و ذلك من موقع إحساسه بمسؤوليته في إخماد كل عوامل الاحتقان تقديرا للعلاقات الأخوية الرابطة بين الشعبين و استحضارا لهشاشة الوضع الإقليمي الذي لا يمكنه أن يتحمل فائض الأزمة أكثر مما هو الوضع متأزم أصلا ، و مع ذلك فالمغاربة لا يمكن أن يقبلوا أن يتم دائما تلبيسهم وضع الضحية كضريبة لعقيدة المسؤولية و لشعور الإيمان بالأخوة و بالتاريخ ، و لذلك يرى كثير من المحللين أن استمرار المغرب في تبني هذا الموقف المتوازن في العلاقة مع الجزائر لن يزيد هذه الأخيرة سوى تعنتا مضاعفا هو أول و آخر ما تملكه في سياقها الداخلي الملتهب.
و في صلب الملف تطرقت المجلة لقضية استدعاء السفير و الذي لن يكون له من أثر ملموس ما لم ترافقه إجراءات دبلوماسية تنقل التحرش الجزائري المستمر إلى المنتظم الدولي و بموازاة ذلك الرفع من درجات التصعيد من قبيل المبادرة بتعليق العلاقات الثنائية على سبيل المثال ، و في هذا الإطار نذكر بالموقف الحازم الذي كان المغرب قد اتخذه من قبل حين أعلن توقيف التعاون القضائي مع فرنسا على إثر تفاعلات اتهام مسؤولين مغاربة بممارسة التعذيب على مواطنين مغاربة مع أن الاعتداء الذي مارسته علينا باريس يومها لم يكن بمثل شراسة الاعتداء الجزائري علينا اليوم.
و ختمت المجلة ملفها بأن النظام الجزائري المغلق لا يؤمن سوى بسياسات مغلقة تحيا على كرسي متحرك ، و المغرب لا يمكن أن يظل ضحية هذا الانغلاق ، و لذلك سيكون من المفيد أن نتساءل: ماذا لو فكر المغرب في “فركعة” هذه الرمانة، عملا بالمثل المغربي الأصيل “كبرها تصغار”؟
إننا لن نخسر شيئا أمام خصم يخسر يوميا مصداقيته التاريخية و يسعى العسكريون داخله إلى أن يبددوا ثقافة الجوار و تاريخية المشترك بيننا بعد أن بددوا ثروات الشعب الجزائري.