بقلم الأستاذ حميد طولست
لماذا يفهم المغاربة لهجة المصريين ، ولا يفهم المصريون لهجة المغاربة ؟
وفاء للوعد الذي قطعته على نفسي خلال المقالة السابقة التي تطرقت فيها إلى “نظرة المصريين لمحمد السادس ملك المغرب ” والمعنونة بنفس العنوان أعلاه ، ها أنا ذا أحاول تناول التساؤل الذي جاء عرضا في المقالة : لماذا يفهم المغاربة لهجة المصريين ، ولا يفهم المصريون لهجة المغاربة ؟.. السؤال المحير فعلا ، والذي تتطلب الإجابة عنه البحث والمتابعة الميدانيتين ، للوقوف على أسباب ذلك بعيدا عما يدعيه البعض ، من أن اللهجة المصرية”1″ سهلة وسلسلة ، وأن الدارجة المغربية ، لهجة أمزيغية محلية لا ترقى لمكانة الفهم على الصعيد العربي ، وأن المغربي بالنسبة لمعظمهم إنسان أعجمي متفرنس لا يقوى على تكوين جملة عربية سليمة ، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال التحدث باللغة العربية بطلاقة دون إقحام مفردات فرنسية ، وأن المغرب ، الذي يجهلون عنه كل شيء ، تاريخه وجغرافيته عاداته وتقاليده ، ليس ، بالنسبة لهم أو لأكثريتهم ، إلا كرة قدم ومنتخب 86 الذي يحفظون أسماء لاعبيه عن ظهر قلب ، وعناوين سطحية وبسيطة ممزوجة بكثير من المغالطات والأحكام المسبقة ، المخالفة لحقيقة صورة المغرب الحضارية الضاربة في أعماق التاريخ ..
والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح ، هو من المسؤول عن استفحال هذه النظرة التي تخصم الكثير من رصيد ومكانة هذا البلاد الآمن ، في الداخل والخارج ؟ ومن المسؤول عن انتشار اللهجة المصرية رغم بعدها عن اللغة العربية الفصحى ، وانحسار لهجتنا المغربية الأقرب إلى العربية ؟ ثم من المسؤول يا ترى عن تصحيح تلك الصورة الخاطئة وتلميعها لدى الأشقاء في المشرق ؟
لاشك أن هناك أسباب كثيرة ومتنوعة لاستفحال هذه الوضعية ، ومسؤوليات متعددة ومتداخلة ، ولعل أولها ، بل وأهمها على الإطلاق ، هي مسؤولية الفرد مغربي ، حيث يبدأ تصحيح الصورة الخاطئة لبلاده لدى الأشقاء في المشرق عامة ومصر خاصة ، من جهود كل فرد من أفراد المجتمع ، وذلك بإعطاء كل فرد المثل في التشبث بلهجته المغربية وتقاليده وأعرافه ومعالمه الحضارية والتاريخية ، وتعزيزها في المحافل .
أما المسؤولية الأكبر ، في نظري ، هي تلك الملقاة على عاتق الدولة ، ممثلة في وزاراتها ، وعلى رأسها وزارة الخارجية التي تصرف الملايير على السفارات والقنصليات المغربية في بلدان المشرق والعالم لتعمل على إيصال صورة صحيحة عن مغرب قطع أشواط هامة في أشواطا هامة في مسيرة النماء والتطور في جميع المجالات ، الاجتماعي والثقافي ، بما يملك من مقومات التطور والتقدم المحدودة ،- بشهادة الكثير من المحللين السياسيين – وذلك من خلال إقامة المعارض والمهرجانات والأسابيع الثقافية الجادة ، والمحاضرات الهادفة ، في كل المناسبات الوطنية ، وعرض أفلام وثائقية تعريفية بالمغرب ودوره العربي السياسي والثقافي والتاريخي والاجتماعي والنهضوي .
تم وزارتي الثقافة والسياحة اللتان لا تقل مسؤوليتهما عن باقي الوزارات ، في إبرام اتفاقيات تبادل البرامج الثقافية الهادفة ، وخلق نشاطات وندوات ورحلات تعريفية ؛ وبعدهما يأتي أخطر الأدوار يبقى دور وزارة الإعلام بجميع مكوناته ، وخصوصا الإعلامي الرسمي الذي تقع عليها المسؤولية الكبيرة في إيصال صورة المغرب الحقيقية للآخرين في المشرق والمغرب ، عبر جهاز الفضائيات التلفزية المغربية وإنتاجاتها الدرامية الهادفة والمحبوكة والبعيدة عن تكريس السلبيات لديهم -وإن كان بعضها وللأسف صحيح – والتي قد تعمل على تحريف وطمْس معالم المغرب المشرقة ووأدِها ، مِن خلالِ رقابات تعسُّفيّة ورجعيّة ، مُوجّهة بلغة مُستهدَفة تدميريّة ، كصَوْنِ الذّوْقِ العامّ ، وعدم السّماحِ لتَسلُّلِ أفكار مُشوَّهة تمسُّ بالمجتمع ..
قد يعد ما سبق أسبابا رئيسية في انحسار الدارجة المغربية ، وديوع المغالطات غير المشرفة التي تعملُ على حجْبِ وحذْفِ وإخفاءِ كل محاسن مغربنا الحبيب ، وتحرق كل مقوماته الجمالية ، وتبيدها تحتَ مُسمَّياتٍ متعدّدة ، وتحتَ تبريراتٍ وحجج واهية ، وبالمقابل تعمل على الترويج للهجة المصرية ، لكن تبقى قلة الحس الوطني ، أو انعدامه ، والتملص من المسؤوليات ، كل حسب موقعه واختصاصه ، إما إهمالا أو تقاعسا أو مؤامرة وهذه الأخيرة هي الأصح ، حيث أننا كلنا نتآمر على هذا البلد الذي ندعي أننا نحبه ، إلى جانب إبعاد وتهميش الأطر المقتدرة والمؤمنة والوطنية والمخلصة والنزيهة والمستقيمة التي يزخر بها الوطن في كل الميادين ، التي لها الأثر الخطير في هذه الوضعية.
هوامش: 1) اللهجة المصرية هي إحدى اللهجة العربية ، وتنقسم إلى عدة لهجات فرعية أشهرها اللهجة القاهرية واللهجة الإسكندرانية واللهجة الصعيدية واللهجة الشرقاوية ، انتشرت اللهجة المصرية بعد الفتح الإسلامي لمصر ونشأت في منطقة دلتا النيل (الوجه البحري) حول مراكزها الحضارية، القاهرة وإسكندرية اليوم، وهي اللهجة السائدة في مصر ويتحدّث بها أغلب السكان، وتختلف اللهجة بين محافظات مصر اختلافات بسيطة، فاللهجة واحدة ويفهمها الشخص بغض النظر عن محافظته، اللهجة المصرية هي لهجة محكية في الأساس، وكمثل باقي اللهجات العربية فإن اللهجة المصرية غير معترف بها رسمياً ولا تكتب بها الأبحاث العلمية بالرغم من استخدمها شفوياً في التدريس في المدارس والجامعات